لخوفها من تنفيذ وعيده لها بالقتل، فهو حديث خرافة. والواقع أن مصيره لم يعرف قط. وعندي أنه طبقا لكل ما نعرفه من حياته، قد رأى استحالة تحقيق مبادئه في مصر، فاعتزال الحياة واختفى في مكان ما ليقضي حياته بعيداً عن الأنظار، لكي يعتقد أنصاره على الأقل أنه هو (الناطق) حقيقة (ناطق الزمان) وأنه سيعود من رمسه آخر الزمان في شخص الإمام أو المهدي؛ وهذا ما لا يزال ماثلا إلى اليوم في عقائد الدروز)
والواقع أن هذه الأساطير رغم بطلانها وإغراقها، كانت أخصب مستقى لمذهب الدروز. وإذا كنا لا نستطيع أن نؤمن بهذا التعليل الغريب لاختفاء الحاكم، ففي وسعنا أن نعتقد أن اختفاء الحاكم كان نتيجة جريمة دبرها الدعاة السريون لإذكاء دعوتهم، ولكي يسبغوا عليها بإخفاء الحاكم من هذا العالم قوة الدلائل المادية، فيقال إن ناطق الزمان قد اختفى ولن يظهر إلا في آخر الزمان. على أنه مهما قيل في مصرع الحاكم وفي تعليل اختفائه، فلا ريب أنه من أغرب حوادث التاريخ الإسلامي، وأشدها غموضاً وروعة وخفاء
- ٦ -
هذه خلاصة منوعة لبعض مواطن الخفاء في التاريخ الإسلامي وهنالك الكثير منها مما لا يتسع المقام لذكره. ولا تقتصر هذه المواطن الخفية الغامضة على حوادث التاريخ الإسلامي؛ ولكنها تمثل في تواريخ معظم الأمم والعصور؛ فما من عصر إلا وله أساطيره، وما من أمة إلا ولها أساطيرها القومية، وقد كانت هذه الأساطير وهذه المواطن الخفية تمت في الغالب بصلة إلى الدين أو إلى الأطماع والمشاريع السياسية، وكان يستغلها دائما دعاة مهرة ومغامرون لهم من الجرأة والإقدام، ما يكفل تحقيق مشاريعهم؛ وكان السلطان الروحي أو السياسي دائما مطمح أولئك الدعاة أو المغامرين؛ وفي أحوال كثيرة نرى الأسطورة الدينية أو الدعوة الخفية تنتهي بانفجار تعقبه انقلابات سياسية واجتماعية خطيرة، وفي بعض الأحيان نرى الأسطورة أو الدعوة تفضي إلى قيام دولة جديدة أو مذهب ديني أو سياسي جديد
ولا ريب أن هذه الأساطير والدعوات والحوادث الخفية تبدو في عصرنا حديث خرافة، ومن المستحيل أن تشق طريقها بعد في أمة متمدنة أو مجتمع مستنير. ولكن يجب أن نذكر فوارق العصر والظروف، وأن نحكم على هذه الظواهر الغريبة بمعيار العصر الذي حدثت