للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فهذا المتنبي يقول إن بغيته في فضلة من الكأس الذي يشرب بها كافور (يعني الولاية) لا المال. وإن كل ما وصل من عطاء كافور لم يرفع الحجب بينه وبين ما أمله منه، ولا شك أن ذلك شيء غير المال. ومن كانت هذه منزلة المال عنده، لا يحفل به ولا يجعله شيئاً مما أمله، فكيف يوصف بالبخل ويتهم بالحرص لو كان هناك إنصاف؟ وقد صرح به أخذ ضمناً من الأبيات في قوله

وما رغبتي في عسجد أستفيدُه ... ولكنها في مَفخر أستَجدُّه

وقال في شكره لمن وهب له هبة:

وما شكرتُ لأن المال فرحني ... سيّان عندي إكثار وإقلال

لكن رأيت قبيحاً أن يُجادَ لنا ... وإننا بقضاء الحق بُخَّال

وفي مطلعها ما يشير إلى صدق قوله (فجودك يكسوني وشغلك يسلب) وهذا هو المطلع:

لا خيل عندي أهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

ثم هل بقى من تقبيح البخل أكثر من جعله من مبطلات الصلاة كما قال:

فتى لا يُرجِّى أن تَتَّم طهارةٌ ... لمن لم يطهر راحتيه من البخل

فهذه الأبيات وسواها كثير مما هو نص في المراد، كيف يصح إغفالها والتمسك بمثل قوله دليلا على بخله:

فلا مجدَ في الدنيا لمن قل ماله ... ولا مال في الدنيا قل لمن مجده

فهل هو إلا مقرر لحقيقة واقعية، وهي أن المجد مهما كان رفيعاً لا اعتبار له إلا بالمال، وقد أجمع الناس على ذلك فما يحترمون إلا صاحب المال ولو كان دنيئاً؟ ولكن ألا تراه مع ذلك قد عقب بأن المال وحده لا اعتبار له عند العقلاء ولا بد من خصال المجد التي هي أساس الاعتبار؟

وأغرب من ذلك الاستشهاد على بخله بمثل قوله:

من يطلب المجد فليكن كعليَّ ... م يَهبُ الألفَ وهو يَبتسم

وقوله:

تهللَ قبل تَسليمي عليه ... وألقى مالهُ قبلَ الوسَاد

وهذا لو صح دليلاً على بخل الشاعر لعددنا كل شعراء العربية بخالا، فأنه لكثرة ما تدوول

<<  <  ج:
ص:  >  >>