وقرأ (شهرزاد) فرأى ثمرة التأمل الذي أوحت به قراءة الف ليلة وليلة إلى صديقنا توفيق، فإذا هو كتب رواية بعنوان (الخروج من الجنة) فهو لا شك قد عالج خروج آدم وحواء لأن هذه الحادثة قد استوقفته، ولابد انه قد نظر إليها من زاويته الخاصة فصبّها رواية مسرحية!
خرج صاحبنا من مجرد عنوان الرواية ومن ان مؤلفها توفيق الحكيم بهذه النتيجة التي يراها طبيعية، وهو حريص على ان يكون استنباطه بتلك النتيجة من تلقاء نفسه، فهو لا يسأل عن أشخاص الرواية وانما هو يبادر بذكرهم من تلقاء نفسه شأن من فهم روح مؤلف أهل الكهف!.
بهذه الموهبة الفذة وبهذه الثقافة الشاملة وهذا المجهود الجبار يتميز توفيق الحكيم، وهو قد أدرك أن الأدب ليس مجرد سليقة نطلقها فتنطلق، أو إلهاما يوحى إلينا به فنرسله على طبيعته، وانما هو إلى جانب ذلك وقبل ذلك علم ودراسة لابد فيهما من المثابرة على القراءة، والانكباب على المذاكرة والإلمام بجميع نواحي الفنون، والتأمل في كل ما نقرأ ونشاهد. وكتاب أهل الكهف الذي لاقى ما لاقاه من نجاح لدى النقد في مصر، والذي لا أشك في انه سوف يستقبل استقبالا عظيما لدى النقاد الأوروبيين إذا ما ترجم إليهم، هذا الكتاب إذن لم يكن ثمرة مصادفة، لم يكن زهرة صغيرة أينعت في المستنقع المصري وانما هو دوحة هائلة غرسها غارس ثم تعهدها بالصيانة والتهذيب.
وبعد، فاني أدرك ان مقالي هذا قد يرسم على الشفاه ابتسامة ذات مغزى!! (هو صديق يقوم بالدعاية لصديقه)
ولأمر ما، يهمني ان ارفع هذا الخطأ المحتمل، فان مؤلف (أهل الكهف) وكتابه ليسا في حاجة إلى دعاية بعد أن اجمع النقاد على تقدير الكتاب.
وانما حاولت أن أرسم صورة لتاريخ حياة الكتاب بان قدمت صورة من تاريخ حياة مؤلفه، اظهر بها جانباً هيأت لي الصداقة التي تجمعني ومؤلف هذا الكتاب أن ألم به، فأثرت أن يطلع قرّاء الكتاب على هذا الجانب.
وربما كان لي غرض آخر من هذا المقال: هو أن يدرك شبابنا المتأدبون ان فن الأدب لا يكتفي فيه بالموهبة، او بالاعتقاد في تلك الموهبة، ثم ارسال القلم في كتابات لا تقدمنا خطوة واحدة وانما هو إلى ذلك اطلاع وتأمل، لا في الشعر والنثر بأنواعه فقط بل كذلك