كيف نمت، ثم كيف ترعرعت وأينعت، ولم ينشأ شعوري بهذه السعادة عندما نشر كتاب أهل الكهف، وعندما استقبله النقد هذا الاستقبال العظيم، وانما هو قد نشأ من زمن بعيد! عندما قرأت (أهل الكهف) مخطوطة من ثلاث سنوات قبل أن تتخاطفها أيدي المدرسة الحديثة، بل عندما قرأت (شهرزاد) مخطوطة منذ أربع سنوات لما أرسلها إلي توفيق في باريس بعد عودته إلى مصر ولما حملتها راكضا إلى الدكتور ماردروس (وهو أديب فرنسي ترجم ألف ليلة وليلة إلى اللغة الفرنسية وزوج مدام لوس دلارو ماردروس الكاتبة الفرنسية المعروفة) ليقرأها وليرى من أي زاوية نظر مؤلف مصري إلى قصص الف ليلة وليلة.
بل شعرت بذلك منذ خمس سنوات عندما كنت أقرأ أولاً بأول الصفحات الاولى من رواية (عودة الروح) عندما كان مؤلفها يحاول ترجمتها إلى اللغة الفرنسية.
عند ذلك كله تحدد أملي فيه بعد ان كان غامضا، وتبدد ذلك التشاؤم الذي كنت أنظر به إلى جونا الفكري، وأدركت ان لدينا مؤلفا نفاخر به المؤلفين الأوروبيين نقرأه في لذة وإعجاب، إعجاب بهذا المنظار الخاص الذي ينظر به إلى الأشخاص والأشياء والحوادث فيكتشف فيها نواحي فذة.
نعم فقد تمر أمامنا الحادثة لا نفكر في أن نعلق عليها اهمية خاصة: ولكنها تستوقفه فيناقشك فيها. ويبدأ يصور لك فيها تصويرا غريبا، فإذا هي امتدت، وإذا هي ذات جسم وكيان، وإذا بها نواح من الأهمية بمكان، وإذا أنت دهش بعد ذلك كيف مرت عليك ولم تلحظ فيها كل ذلك.
كنت أتحدث مرة إلى أحد أصدقائنا عن روايات توفيق الحكيم وتسلسل الحديث إلى أن ذكرت لمحدثيه أن توفيقا قد كتب رواية اسمها (الخروج من الجنة)، فكان رده عليّ:
وطبعا شخصيات الرواية ثلاث: آدم وحواء وإبليس! فلم أتمالك من الابتسام، ذلك ان عنوان الرواية ليس الا رمزا وان اشخاص الرواية عصريون فليسوا آدم وحواء وانما هم محمود وإقبال وغيرهما من أبناء آدم وحواء.
وقد ابتسمت لقول صاحبي لأنه لفظه في اطمئنان عجيب، وسر اطمئنانه انه قد قرأ (أهل الكهف) ورأى كيف استخلص مؤلفها تلك القطعة الفلسفية من القصة التي لا يجهلها مصري