للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعض العلماء يظن أن لونهم الفاتح يرجع إلى اختلاطهم بجماعة البربر أو بعض الحاميين

ولقد اشتهر سكان هذه الجهات ومعظم سكان أفريقيا - سواء الزنجي البحت أو الخليط - بحب اللهو والطرب والرقص وكثرة شرب الخمور. ولقد تبارى العلماء في تعليل هذه الظاهرة التي تكاد تعم معظم بقاع أفريقيا

فابن خلدون يرجع ذلك إلى عوامل مناخية إذ يقول:

(من خلق السود على العموم الخفة والطيش وكثرة الطرب فتجدهم مولعين بالرقص على توقيع، موصوفين بالحمقفي كل قطر؛ والسبب الصحيح في ذلك أنه تقرر في موضعه من الحكمة أن طبيعة الفرح والسرور هي انتشار الروح الحيواني وتفشيه، وطبيعة الحزن بالعكس وهو انقباضه وتكاثفه. وتقرر أن الحرارة مفشية للهواء والبخار، مخلخلة له زائدة في كميته، ولهذا يجد المنتشى من الفرح والسرور ما لا يعبر عنه، وذلك بما يداخل بخار الروح في القلب من الحرارة الغريزية التي تبعثها ثورة الخمر في الروح من مزاجه فيتفشى الروح تجيء طبيعة الفرح. وكذلك نجد المتنعمين بالحمامات إذا تنفسوا في هوائها واتصلت حرارة الهواء في أرواحهم فتسخنت، لذلك حدث لهم فرح، وربما انبعث الكثير منهم بالغناء الناشئ عن السرور. ولما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار واستولى الحر على أمزجتهم وفي أصل تكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم وأقاليمهم، فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرابع (المعتدل) أشد حرا، فتكون أكثر تفشياً، فتكون أسرع فرحا وسرورا وأكثر انبساطاً، ويجيء الطيش على أثر هذه. وتتبع ذلك في الأقاليم والبلدان تجد في الأخلاق أثراً من كيفيات الهواء والله الخلاق العليم.)

ولقد حاول كثير من العرب تعليل حب هؤلاء الأقوام للخمر واللهو والرقص، ومن هؤلاء المسعودي الذي ينسب ذلك إلى ضعف عقليتهم، كذلك يعقوب بن إسحاق الكندي ذكر ذلك التعليل الذي ربما يكون المسعودي قد نقله عنه

كذلك ذكر هذا الرأي جالينوس كما يقول ذلك أبن خلدون

وربما كان ذلك راجعاً إلى قلة العمل وطول الوقت، ولذلك يلهو الزنجي بمثل هذا النوع من الطرب. وربما يرجع حب الزنجي للرقص والخمر إلى التغلب على مناخ بلاده الذي يدعو إلى الكسل والخمول. كما يستعمل الأوربي مثلا المسكرات للتغلب على البرد في بلاده.

<<  <  ج:
ص:  >  >>