شكل مستنقعات تقوم في الأراضي المرتفعة. وفي هذا الفصل تكون الماشية على مقربة من هذه القرى لكي يمكن إيوائها مساء في الأماكن المخصصة لها لحمايتها من شر البعوض. كذلك يتمكن النوير في هذا الفصل من زراعة بعض الذرة. وفي هذا الشهر ديسمبر تبدأ الأمطار في القلة، ولذلك تساق الماشية إلى أماكن بعيدة عن القرى في الجهات الغابية حيث ترعى هناك، وبعد أن يجمع المحصول في القرى ترجع الماشية إلى القرى لتأكل بقايا النباتات؛ ثم بعد ذلك يحل فصل الجفاف وأهم شيء في حياة النوير خاصة، والزنوج النيليين عامة هو الماشية، فمنها يأخذون اللحم واللبن، وجلودها تستعمل فراشاً، وروثها يستعمل وقوداً، والرماد المتخلف يتخذ لدلك الجسم لحمايته من البعوض، ويصنع منه مسحوق للأسنان والشعر، وقرونها تستعمل ملاعق، وذيلها للزينة. والرجل الغني عندهم هو الذي يملك ماشية، فهي تقوم مقام الصداق في حفلات الزواج، ولذلك كان النويري شديد الاهتمام بتنمية القطيع من الماشية، لأنه مهم من حيث الزواج. والرجل عندما يريد الزواج لابد أن يوزع عشرين رأساً من الماشية على أهل زوجته ولابد من إهداء عشرة رؤوس لأقارب والدة عروسه، وعشرة أخرى لأقارب والد عروسه، فمن اللازم أن يأخذ القطيع في الزيادة حتى يصل إلى خمسين رأسا من الماشية. فإذا تزوج أبن فلابد أن يظل بقية الأبناء بدون زواج حتى يأخذ القطيع في الزيادة إلى أن يستعيد عدده قبل الزواج. فالزواج حسب الترتيب: الأكبر فالذي يليه وهكذا. وعلى نساء الأبناء الكبار أن يقمن بطهي الطعام وحلب الماشية للأخوة الذين لم يتزوجوا بعد؛ كذلك تستعمل الماشية في دفع الديات والتعويضات. والنويري يعتبر القتل كالزواج، أي أن الرجل إذا قتل شخصاً من عائلة أخرى كان كأنه تزوج فتاة من هذه العائلة؛ وذلك على قاعدة أن هذه العائلة ستفقد فرداً منها في حالة الزواج أو في حالة القتل. فعلى القاتل أن يعطي عائلة المقتول عشرين رأسا من الماشية: عشرة منها توزع على أقارب والد القتيل، وعشرة أخرى توزع على أقارب والدة القتيل. والفكرة في ذلك أن عائلة القتيل تحتفظ بهذه الماشية التي أخذتها دية لكي يمكنها أن تحصل بواسطتها على زوجة للرجل الميت لكي تلد هذه الزوجة أبنا يحل محل أبيه. وهذه الزوجة بعد الحصول عليها تعيش مع زوجة الرجل المقتول، والابن الذي يولد لها يعتبر كأنه للرجل المقتول.