شتاء على اذرعها الضخمة المنبسطة وتحتمل الزمهرير ولطمات البروق وجلجلة الرعود وهطول الأمطار وتدفق السيول؟ يقول بعضهم ثمانية آلاف سنة ويقول بعضهم أربعة آلاف!! ومهما يكن التقدير فإنها ولا شك أسنّّ المخلوقات الحية وأعظمها. كيف لا والشجرة (الصغيرة) التي تجاوزت الخمسمائة ربيع لا تزال في ميعة الصبا وأما التي سلخت من الزمن الفي سنة فلا تزال في سن الكهولة!! إذا نظر الإنسان إلى شيخ قارب المائة أو جاوزها شعر بوقار السن وجلاله، وخشع لتلك المسحة الهادئة الحزينة التي تطبعها عليه يد الهرم. فما بالك إذا نظر إلى مخلوق عمره ستة قرون؟ ومع هذا فلا ترى ضعفا ولا تقوساً ولا تهدما بل ترى شموخا وقوة وعظمة. ترى اصلها كأنه أبو الهول ناشبا أظفاره الضخمة في جانب فريسة هائلة، ترى التمكن والرسوخ. نعم ان عليها روح الكآبة والحزن ولكنها كالجبار المكتئب يرفع رأسه إلى السماء في جمال وروعة غير عابئ بما في جنبه من طعنات أو في نفسه من وخزات. وحقيقة ترى بعضها محترق الجانب او القلب غير انها لا زالت حية باسقة تهزأ بكوارث الطبيعة وهوجها، تطالع فيها رمز الصبر والاحتمال والخلود، ثم انها كتاب تاريخي ضخم استوعب الكثير من تاريخ القرون ولكن كيف السبيل إلى حل رموزه وطلاسمه؟ هيهات! تقف صامتة، تنظر مبتسمة ساخرة، ولكنها لا تبوح بمكنون فؤادها فكأنها حفيظة لسر الدهر.
ولكل من هذه العمالقة اسم معروف يعرف به، فهذه شجرة مارك تواين تخلد اسم الكاتب المشهور وهي أطولأشجار العالم اذ يبلغ ارتفاعها ٣٣١ قدما، وهذه شجرة جالن كلارك مكتشف الحرج وهذه شجرة واشنجطن، وهذه شجرة غروب الشمس وهي آخرة الأشجار التي تغيب عنها أشعة الشمس. وتلك شجرة الإسطبل التي تؤوي خمسة عشر حصاناً جذعها الأجوف، وتلك شجرة المنظار التي احترق من جوفها ما طوله خمسون قدما فأصبحت كالمنظار ترى من داخلها السماء. ثم تلك شجرة (واوونا) - تلك الشجرة العجيبة التي شق في أحشائها طريق في سنة ١٨٨٠ ارتفاعه ثماني أقدام وعرضه احدى عشرة تمر منه عربات الزوار الذين يحجون إليها من أنحاء المعمورة. ومع هذا لا تزال حية تضحك من أقزام الإنسان الذي أعمل فيها قواطعه ومناشيره وأجرى عليها هذه العملية الجراحية القاسية من غير ما مسكن أو مخدر!!. . . وترى وسط الحرج (العملاق الرمادي)