وإذا كان موقف العصبة في المسألة الحبشية قد أسبغ عليها هيبة لم تتمتع بها منذ نشأتها، فأن الفضل في ذلك لا يرجع إلى إرادة العصبة ذاتها أو إلى استقلالها ونزاهتها بقدر ما يرجع إلى العوامل السياسية والاستعمارية الخارجية التي شرحناها؛ وكون العصبة تعمل في مثل هذه الظروف أداة مسيرة، لا يؤكد الآمال التي يمكن أن تثيرها نصوص دستورها الخلاب، بل كل ما هنالك يثير الريب دائماً في وسائلها وغاياتها. ومع ذلك فأن عصبة الأمم يمكن أن تكون أداة حقيقية لتأييد السلام العالمي والعدالة الدولية، ولكنها يجب قبل كل شيء أن تحرر من ذلك النفوذ الذي يواجهها وينحرف بها عن العمل للغاية الحقيقية التي أنشئت لها إلى العمل لغايات السياسة القومية والاستعمارية. وقد رأينا في مثل إيطاليا وما نالها من أثر العقوبات الاقتصادية، قوة العمل الإجماعي وتأثيره الفعال في كبح جماح الشهوات القومية؛ فإذا صلح دستور العصبة ليلائم الظروف الدولية الحاضرة، وإذا استطاعت الأمم أن تضع ثقتها في سياسة الضمان المشترك والسلامة المشتركة، فإن العالم يستطيع أن يتجنب كثيراً من الحروب الاعتدائية المخربة. ولكن هل تستطيع الدول الاستعمارية الكبرى أن تتجرد عن غايات الأثرة القومية، أو تعدل عن الالتجاء إلى القوة الهمجية التي تمكنها من أعناق الفرائس الضعيفة المغصوبة؟