للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخطاب؟ فلا يجيبه أحد

فيقول:

- أما هؤلاء فقد قتلوا

فلا يملك عمر نفسه فقال:

- كذبتَ والله يا عدو الله - إن الذين عددت لأحياء كلهم! إنهم لأحياء، وإن الحياة هي التي أنطقت عمر بالرغم من نهى الرسول، وهل يخنق للحياة صوت؟

إن هؤلاء أحياء، والذين استشهدوا منهم أحياء!

فيجيب أبو سفيان:

يوم بيوم بدر، والحرب سجال! إنكم ستجدون في القوم مُثلة لم آمر بها ولم تسؤني: أُعلُ هبل، أعلُ هبل!

فيجيبه أصحاب الرسول:

- الله أعلى وأَجل!

فيقول: إن لنا العزى ولا عزى لكم

فيجيبونه: الله مولانا ولا مولى لكم

تنتهي هذه المحاورة ويؤوب أبو سفيان إلى قومه وقد شفوا قلوبهم وغسلوا عار يوم بدر، وهب المسلمون إلى تلمس قتلاهم واستنقاذ جرحاهم وقد راعهم أن يمثل المشركون بالشهداء منهم وهم لو أرادوا تمثيلاً بهم لمثلوا. ولبث النبي في مكانه يعالج أصحابُه نزيفاً منه كاد يودي به، وهو يرتقب جثة عمه حمزة وقد أشجاه ما أشجاه، فجاءت الجثة بغير كبد والوجه معبوث بملامحه. فناب الصمت عن البيان، وحجبت هذه الداهية غيرها من دواهي أحد؛ فجمع المسلمون جثث قتلاهم يدفنونها متراكمة في موضع المعركة وقد أساهم في مصابهم ما أصاب الرسول في عمه. فكان ينظر إلى الذين يغيبهم التراب إلى الأبد نظرة صامتة، وعينه لا تتمثل إلا مصرع حمزة.

لم يعد أنس جريحاً ولم يبن قتيلاً في المعركة، وقد ذهبت أخته تتحرى عنه بين القتلى فيمن تحرى، حتى وقعت على قتيل خفيت تقاسيم وجهه، وذهب جلده قدداً، في بدنه بضع وثمانون من ضربة بسيف وطعنه برمح ورمية بسهم. أهذا هو أنس صريعاً؟ لكن وجهه

<<  <  ج:
ص:  >  >>