أما الأول فهو ذلك المرح المستهتر بالأشياء، الذي همه وكِبر مناه في الدنيا أن يستمتع، وعلى الأصح أن يصل وأن ينجح، فإذا كان سياسياً أو رجل أعمال أو أديباً أو محامياً أو فناناً أو ضابطاً فإنما (. . ذاته) هي الأمل المشتهى، وهي المبدأ والمنتهى؛ يندفع في تطبيق قانون تنازع البقاء على أساليب عيشه وكفاحه اندفاعا بربرياً؛ هولا يهوى من الحياة إلا النجاح، ولا من النجاح إلا المال؛ ولقد يقرأ ما أكتب كما يقرأ كل شيء ليكون فقط (. . مع الدنيا. .)؛ ولقد يرميني بأني أهزأ بالجمهور وما أنا إلا صورة منه؛ طراز إباحي في كل شيء؛ ليس المثل العالي لديه إلا فكاهة! فإذا مارس الديمقراطية مثلاً فليتبوأ مقعده في مجلس النواب. . . أو ليس ذلك الشيطان الرجيم؟. .
هذا الذي لم يقطع من مراحل الحياة خمساً وعشرين مرحلة وليست نفسه إلا (عداداً) لحساب الملذات.
ثم أرأيت إلى ذلك الأخر الأخلق بالزراية والمقت، هذا طراز قد اجتمعت له أرستقراطية الأعصاب والصلف، أبيقوري مهذب على نقيض الأول؛ فذلك أبيقوري متوحش، وهذا الأرستقراطي إباحيّ لبق؛ طافت كل الأفكار برأسه، فلا تحدثه عن التجديف أو عن المادية، فإن للمادة عنده معنى غير ذي حدود. . . هو أنفذ بصيرة من أن يجهل أن كل دين دانت له الدنيا في إبانة. . . هو لا يدين إلا (لذاته). . ليس الخير ولا الشر، ولا الجمال ولا القبح أموراً ذات بال تعنيه، وإنما نفسه (أداة) متعلمة يلتذ بتجريدها وتعطيل مزاياها كأنها موضوع تجارب، لا يفقه في الحق ولا في الباطل ولا في الإنسانية ولا في البهيمية، بل كما قال (بارس) تناهت به شهواته إلى عبادة ذاته أو لذّاته. . . . .
لا تكونوا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء أيها الفتيان. . . .
لا إلى الواقعيين المفرطين في عالم الحس، ولا إلى المتفيهقين المستهترين في عالم المعقول؛ ولا يركبنكم شيطان الغرور فيذلنكم للكبرياء والشعوذة، بل عليكم أن تجعلوا شعاركم:(إنما يحكم على الشجرة بما تؤتي من ثمار).
إن ثمة حقيقة لا مراء فيها لأنها بين الضلوع، تبصرونها وتحسون بها: تلك هي النفس. وإن من الفكَر التي تسيطر على أذهانكم لأفكاراً تضعف من قوى الإرادة والمحبة، فأعلموا أنها أفكار زيوف مهما طلاها السحر بالألوان. وزيدوا (المحبة والإرادة) نماء فليس سواهما