وتفرّق الهيلانيون بعد أكل شهي وري، ونهض الميرميدون إلى خيامهم يخلعون عددهم ويستجمون من عناء اليوم الحافل، ولبث أخيل وحده على الشاطئ الشاحب يرقب أواذيه الصاخبة، ويرى إلى أعراف الموج تنتطح هنا وهناك، وترتد وترتد حتى تغيب في لا نهاية الماء!
ثم غفا إغفاءةً فتمدد على العشب، وأسلم جفنيه لنوم عميق ورأى ظلاً حزيناً يُطيف به ولا يكاد يبين، فتقلّب ذات اليمين وذات الشمال مما تأخذه الرؤيا به، ولكن الشبح ما يفتأ يُهوّم ويهوم، ويقترب ويقترب، حتى يكون عند رأسه، وحتى يقر النائم فما تبدو منه حركة، ويسكن فما يتردد فيه نَفَس، ويَحْسِر الزائر لثامه، فإذا هو. . بتروكلوس!!
لقد أقبل روحه الكبير يتحدث إلى مولاه، فيقول:
(أخيل! أهكذا تنام ملء عينيك وتدع صديقك يهيم في مملكة الظلمات دون أن يؤذن له بعبور ستيكس الفائض بالحميم، ليقر في عدوته الأخرى مع المؤمنين! إنني يا صديقي سأبقى طريداً شريداً مادمت متوانياً عن تأدية الطقوس التي يتطلبها بلوتو وتفرضها السماء!
ماذا تبتغي بعد أن ثأرت لي يا أخيل! ألا يشجيك أن أظل معذباً في هذا التيه الذي لا نهاية له، كاسف البال مسبوه اللب، لأنك تأبى أن تؤدي لي فرائض الآخرة!
أتحسب أنا ملتقيان في دنياك كرة ثانية يا أخيل، فأنت تنتظر هذا اللقاء؟ لا، لا، يا صديقي؛ نحن لا نلتقي إلا هنا! في هذه الدار الجميلة الهادئة التي لا صخب فيها ولا ضجيج. . . .
سنلتقي هنا. . . . وسنلتقي سريعاً. . . . ولن أزعجك إذا أخبرتك بما علمته هنا!. . . . إنك ملاق حتفك تحت أسوار طروادة. . . لا تنزعج يا أخيل، فأنت بطل، والأبطال أمثالك لا يرهبون الموت، والبطل الذي لا يجرع الكأس طافحة في حومة الوغى يموت موتةً لا تشرفه. . . فأطمئن! إنما ذكرت لك ذلك لأن لي رجيةً عندك أتمنى لو أديتها لي. . . ذلك أن توصي أن تدفن رفاتك في نفس الرمس الذي يضم رفاتي، لنظل آخر الدهر متقاربين، كما كنا أول الدهر متقاربين، ولنقضي أحقاب الموت في مربعٍ معاً، كما قضينا شرخ الشباب في ملعبٍ معاً. . .
إيه يا ذكريات الماضي السعيد!
أبداً لن أنسى يوم حملني مولاي الأمين أمفيداماس من نجاد أوبوس إلى بلاط بليوس، حيث