نشأت وترعرعت في نفس الكنف الذي ترعرعت فيه يا أخيل. . . . وأبداً لن أنسى هذا الحنان الذي كانت تغمرني به ذيتيس، أمك الرؤوم، حتى أشتد ساعدانا، وسار الركبان باسمينا في كل ناد. . .
هلم يا أخيل. . . أنهض يا زعيم الميرميدون. . . وأذكر ما قلته لك. . .)
ويذرف أخيل عبرة غالية، ويجيب بتروكلوس فيقول:
(بتروكلوس! إلىّ يا أعز الناس عليّ! سأفعل كل ما تريد، ولكن. . . أقترب. . . قليلاً. . . لنسرّ من أحزاننا يا أخي! هب لي أن أعانقك فأنا مشوق إليك!)
وهب من نومه مذعوراً مادَّاً ذراعيه لعناق بتروكلوس، ثم ضمهما فجأة. . . . . ولكن!
وا أسفاه!. . . لقد ضم أخيل إليه الهواء. . .! لأن الشبح العزيز قد ولى بعيداً عنه. . . هناك. . . هناك. . . في ظلمات السُّفْل. . . في ديجور الدار الآخرة. . . في مملكة بلوتو الجبار. . . . حيث الأرواح والأشباح. . . . وحيث العذاب والنعيم. . .!!
وصرخ الزعيم المفئود صرخة زلزلت عماد المعسكر، وأجتمع لها القادة مشدوهين مروّعين، وروعهم أكثر هذا الحديث الطويل عن الرؤيا المشجية، فأنفذ أجاممنون الملك عصبة قوية إلى غابات الصنوبر والشاهبلوط القريبة، فجمعت أحمالاً ثقالاً من جذوع الأيك وحطام الدوح اليابس، وأقبلت فكومت ما جمعت كومةً واحدة عالية؛ ثم أمر أخيل جنوده فاصطفوا حول الكومة بعُددهم وخيولهم وعرباتهم، وأقبل فوج منهم يحمل جثمان بتروكلوس، موارًي في شَعرٍ كثير أنتزعه الفرسان من رؤوسهم حزناً على قائدهم بالأمس؛ وكان أخيل يتعثر خلف القتيل وقد حطمه الحزن ورأزته المصيبة في أعز أصدقائه، وغشيه من الهم ما لو كان بعضه بوَضحِ الضحى لأحالة ليلاً من الوجد مظلماً. . . ونزع شعر رأسه هو الآخر فغطى به وجه صاحبه، ومد ذراعيه المرتجفتين فرفع الجثمان الطاهر، يعاونه نفر من الميرميدون، ووضعوه فوق الكومة التي تسامت وسمقت حتى غدا ارتفاعها مائة قدم أو تزيد. وأمر أخيل فذبحت ألوف من العجول والخنازير والنّعم، ونزعت عنها شحومها جميعاً، فوضعها بيده على الكومة من حول بتروكلوس، ثم أشار إلى حَمَلةِ الزِّقاق فطفقوا يصبون الزيت والعسل المصفى ليزيد في ضرام الوقود.
وأرتفع ضجيج بعيد وضوضاء، فتلفت القوم، وإذا فريق من الميرميدون يسوقون الشبان