المحسن إلى البشر إذ يقاوم الأمراض الفتاكة، وييسر المسافات البعيدة، ويرفه الخلق في كثير، فمع ذلك ورغم ذلك قد ينكرون على العلم قيمته وفضله لأن من يستطيع الإحسان في شيء قد تكبر تبعته ويعظم إثمه إذا هو استخدم سلاحه للإساءة والعدوان وهو عارف لمواضع الإحسان. وأي إساءة اعظم من إساءة الحروب المعززة بجهود العلم؟ وأي عدوان أشد من تحويل عدد عديد من الناس إلى صنف من المخلوقات يستغرق في الإنتاج شهوة ومن غير قصد، ويستغرق في الاستهلاك شهوة، ومن غير حد؟.
على أن هذا النحو من النظر العدائي ربما كان بعض مصدره ما تتعرض إليه النفوس واللغات أحياناً من الخلط بين الوسائل وغاياتها، وبين العلل ومعلولاتها، وبين الحال والمحل مما هو شائع ذائع.
وعلى هذا النحو خلط الكثيرون بين العلم المحض الخالص وبين نتائج العلم وتطبيقاته في شؤون الحياة، وكذلك قد ظلموه على نحو ما يظلم السيف المهند في يد الجندي الجبان.
وليس حظ السذج والعامة في الخلط بين العلم وتطبيقاته بأربى من حظ بعض الخاصة وأشباههم في هذا الأمر. وقد يطلب الكثيرون من معاهد العلم ودوره أن تفيض عليهم وعلى أبنائهم من المتعلمين بما ينتفع به الناس انتفاعا عمليا حتى شاعت في السنين الأخيرة عندنا وعند غيرنا من الأمم بدعة العلم العملي والتعليم العملي ونادى بها أكثر من كاتب، وقال بها أكثر من مشتغل بشؤون التعليم. ولو أنصف هؤلاء وهؤلاء لأعترفوا للعلم بطبيعته النظرية، وقدروا له حرصه على المعرفة لذاتها فحسب دون تقدير لنتائجها الضارة أو النافعة.
لكن غير المشتغلين بالعلم الخالص من أفراد الناس بخاصة هم الذين وجهوا نتائج العلم للخير والشر وللحسن والقبيح، دون أن يكون للعلم في ذاته دخل في ذلك التوجيه. فما على العلم إذن وما له إذا استخدم الإنسان بعض آثاره ليعيث بها فسادا أو ليصلح بها في الوجود؟.
ليس في قانون البحث العلمي ما يلزمنا أن نحكم بأن غازا من الغازات يجب أن يتوجه لحيث يحيي أو لحيث يميت! وليس في قانون العلم أن جوهرا من الجواهر يجب أن يكون سما ناقعا أو بلسما نافعا! لكن طبيعة الإنسان بما فيها من رفعة أو ضعة هي التي تستخدم