١١٤هـ) سار عبد الرحمن إلى الشمال مخترقا أراغون (الثغر الأعلى) ونافار (بلاد البشكنس) ودخل فرنسا في ربيع سنة ٧٣٢م، وزحف تواً على مدينة (آرل) الواقعة على نهر الرون لتخلفها عن أداء الجزية واستولى عليها بعد معركة عنيفة نشبت على ضفاف النهر بينه وبين قوات الدوق أودو، ثم زحف غرباً وعبر نهر الجارون وانقض المسلمون كالسيل على ولاية اكوتين يثخنون في مدنها وضياعها، فحاول أودو ان يقف زحفهم، والتقى الفريقان على ضفاف الدوردون فهزم الدوق هزيمة فادحة، ومزق جيشه شر ممزق، قال ايزيدور الباجي:(والله وحده يعلم كم قتل في تلك الموقعة من النصارى) وطارد عبد الرحمن الدوق حتى عاصمته بوردو (بردال) واستولى عليها بعد حصار قصير، وفر الدوق في نفر من صحبه إلى الشمال، وسقطت اكوتين كلها بيد المسلمين ثم ارتد عبد الرحمن نحو الرون كرّة أخرى، واخترق الجيش الإسلامي برجونيا واستولى على ليون وبيزانصون ووصلت سريّاته حتى صانص التي تبعد عن باريس نحو مائة ميل فقط، وارتد عبد الرحمن بعد ذلك غرباً إلى ضفاف اللوار ليتم فتح هذه المنطقة ثم يقصد إلى عاصمة الفرنج. وتم هذا السير الباهر. وافتتح نصف فرنسا الجنوبي كله من الشرق إلى الغرب في بضعة أشهر فقط. قال أدوار جيبون. (وامتد خط الظفر مدى ألف ميل من صخرة طارق إلى ضفاف اللوار. وقد كان اقتحام مثل هذه المسافة يحمل العرب إلى حدود بولونيا وربى ايكوسيا. فليس الراين بأمنع من النيل او الفرات، ولعل أسطولاً عربيا كان يصل إلى مصب التايمز دون معركة بحربة، بل ربما كانت أحكام القرآن تدرَّس الآن في معاهد أكسفورد وربما كانت منابرها تؤيد لمحمد صدق الوحي والرسالة).
أجل كان اللقاء الحاسم بين الإسلام والنصرانية، والشرق والغرب، على وشك الوقوع. وكان اجتياح الإسلام للعالم القديم سريعا مدهشا، فانه لم يمضِ على وفاة النبي العربي نصف قرن حتى سحق العرب دولة الفرس الشامخة، واستولوا على معظم أقطار الدولة الرومانية الشرقية من الشام إلى أقاصي المغرب، وقامت دولة الخلافة قوية راسخة الدعائم فيما بين السند شرقا والمحيط غربا، وامتدت شمالاً حتى قلب الأناضول، وكانت سياسة الفتح الإسلامي مذ توطدت دولة الإسلام ترمي إلى غاية أبعد من ضم الأقطار وبسطة السلطان والملك. فقد كان الإسلام يواجه في الأقطار التي افتتحها من العالم القديم، أنظمة