راسخة مدنية واجتماعية تقوم على أصول وثنية أو نصرانية، وكانت النصرانية قد سادت أقطار الدولة الرومانية منذ القرن الرابع، فكان على الخلافة ان تهدم هذا الصرح القديم وان تقيم فوق أنقاضه في الأمم المفتوحة نظما حديثة، تستمد روحها من الإسلام. وان تذلل النصرانية لصولة الإسلام سواء بنشر الإسلام بين الشعوب المفتوحة او بإخضاعها من الوجهة المدنية والاجتماعية لنفوذ الإسلام وسلطانه، وكان هذا الصراع بين الإسلام والنصرانية قصير الأمد في الشام ومصر وافريقية، فلم يمضِ نصف قرن حتى غيّر الإسلام هذه الأمم بسيادته ونفوذه، وقامت فيها مجتمعات إسلامية قوية شاملة، وغاضت الأنظمة والأديان القديمة ثم دفعت الخلافة فتوحها إلى أقاصي الأناضول من المشرق وجازت إلى إسبانيا من المغرب. فأما في المشرق فقد حاول الإسلام ان ينفذ إلى الغرب من طريق قسطنطينية، وبعثت الخلافة جيوشها وأساطيلها الزاخرة إلى عاصمة الدولة الشرقية مرتين: الأولى في عهد معاوية بن أبي سفيان سنة ٤٨هـ (٦٦٨م) والثانية في عهد سليمان بن عبد الملك سنة ٩٨هـ (٧١٧م) وكانت قوى الخلافة في كل مرة تبدي في محاصرة قسطنطينية غاية الإصرار والعزم والجلد ولكنها فشلت في المرتين وارتدت عن أسوار قسطنطينية منهوكة خائرة.