للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مسترسل إلى الإيمان بما كتب عليه استرساله إلى الإيمان بما كتب له، فما به غرور ولا كبرياء ولا حقد ولا غضب ولا يكثره ما هو فيه.

ومن نكد الدنيا أن مثل هذا القلب لا يخلق بفضائله إلا ليعاقب على فضائله؛ فغلظة الناس عقاب لرقته، وغدرهم نكاية لوفائه، وتهورهم رد على أناته، وحمقهم تكدير لسكونه، وكذبهم تكذيب للصدق فيه.

وما أرى هذا القلب مأخوذاً بحب ذلك الشاب ولا مستهماً به لذاته، وإنما هو يتعلق صوراً عقلية جميلة كان من عجائب الاتفاق أن عرضت له في هذا الشاب أول ما عرضت على مقدار ما؛ وسيكون من عجائب الاتفاق أيضاً أن يزول هذا الحب زوال الواحد إذا وجدت العشرة، وزوال العشرة إذا وجدت المائة، وزوال المائة إذا وجد الألف.

وبعد هذا كله فصاحبة المشكلة في كتابها كأنما تكتب في نقد الحكومة على طريقة جعل التوقيع: (فلان غير موظف بالحكومة). . . وهي فيما كتبت كالنهر الذي ينحدر بين شاطئيه مدعياً أنه هارب من الشاطئين مع أنه بينهما يجري. تحب صاحبها وتلقاه؛ ثم هي عند نفسها غير جانية عليه ولا على زوجته. . . فليت شعري عنها ما عسى أن تكون الجناية بعد زواج الرجل غير هذا الحب وهذا اللقاء؟

ونحن معها كأرسطاطاليس مع صديقه الظالم حين قال له: هبنا نقدر على محاباتك في ألا نقول إنك ظالم؛ هل تقدر أنت على ألا تعلم أنك ظالم؟

ورأيها في (المشكلة) أن ليس من أحد يستطيع حلها إلا صاحبها، ثم هو لا يستطيع ذلك إلا بطريقة من طريقتين: فإما أن تكون ضحية أبيها وأبيه (تعني زوجته) ضحيته هو أيضاً ويستهدف لما يناله من أهله وأهلها فيكون البلاء عن يمينه وشماله ويكابد من نفسه ومنهم ما إن أقله ليذهب براحته وينغص عليه الحب والعيش، (قالت): وإما أن يضحي بقلبه وعقله وبي. . .

وهذا كلام كأنها تقول فيه: إن أحداً لا يستطيع حل هذه المشكلة إلا صاحبها، وأن صاحبها غير مستطيع حلها إلا بجناية يذهب فيها نعيمه، أو بجنون يذهب فيه عقله. فان حلها ذلك فهو أحد اثنين: إما أحمق أو مجنون ما منهما بد. . . ولسان الغيب ناطق في كلامها بأن أحسن حل للمشكلة أن تبقى بلا حل، فان بعض الشر أهون من بعض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>