للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والعجيبة الثالثة أن (نابغة القرن العشرين) جاء زائراً بعد أن قرأ مقالات (المجنون) فرأى بين يدي هذه الكتب التي تلقيتها وأنا أعرضها وأنظر فيها لأتخير منها، فسأل فخبرته الخبر؛ فقال: إن صاحب هذه المشكلة مجنون لو امتحنوه في الجغرافية وقالوا له ما هي أشهر صناعة في باريس لأجابهم: أشهر ما تعرف به باريس أنها تصنع (البودرة) لوجه حبيبتي. . .

قلت: فكيف يرتد هذا المجنون عاقلاً؟ وما علاجه عندك قال: وجه في طلب أ. ش ليجيء، فلما جاء قال له اكتب: جلس (نابغة القرن العشرين) مجلسه للإفتاء في حل المشكلة فأفتى مرتجلاً:

إن منطق الأشياء وعقلية الأشياء صريحان في أن مشكلة الحب التي يعسر حلها ويتعذر مجاز العقل فيها، ليست هي مشكلة هذا العاشق أكرهوه على الزواج بامرأة يحملها القلب أولا يحملها، وإنما تلك هي مشكلة إمبراطور الحبشة يريدون إرغامه أن يتزوج إيطاليا، ويذهبون يزفونها إليه بالدبابات والرشاشات والغازات السامة.

ولو لم يكن رأس هذا العاشق المجنون فارغاً من العقل الذي يعمل عمل العقل، إذن لكانت مجاري عقله مطرودة في رأسه فانحلت مشكلته بأسباب تأتي من ذات نفسها أو ذات نفسه، غير إن في رأسه عقل بطنه لا عقل الرأس، كذلك الشره البخيل الذي طبخ قدراً وقعد هو وامرأته يأكلان. فقال ما أطيب هذه القدر لولا الزحام. . . قالت امرأته: أي زحام ههنا؟ إنما أنا وأنت. قال: كنت أحب أن أكون أنا والقدر فقط. . .

فعقل النهم في رأس هذا كعقل الشهوة في رأس ذلك؛ كلاهما فاسد التقدير لا يعمل أعمال العقول السليمة؛ ويريد أحدهما أن تبطل الزوجة من أجل رطل من اللحم، ويريد الآخر مثل ذلك في رطل من الحب. . .

وإذا فسد العقل هذا الفساد ابتلى صاحبه بالمشاكل الصبيانية المضحكة لا تكون في شيء كبير، ولا يكون منها شيء كبير؛ وهي عند صاحبها لو وزنت كانت قناطير من التعقيد؛ ولو كيلت بلغت أرادب من الحيرة؛ ولو قيست امتدت إلى فراسخ من الغموض.

هاتان المرأتان: (الحبيبة والزوجة)، إما أن تكونا جميعاً امرأتين فالمعنى واحد فلا مشكلة؛ وإما ألا تكونا امرأتين فالمعنى كذلك واحد فلا مشكلة؛ وإما أن تكون إحداهما امرأة

<<  <  ج:
ص:  >  >>