والأخرى قردة أو هِرْدة وههنا المشكلة. (حاشية: الهردة من أوضاع نابغة القرن العشرين في اللغة ومعناها الأنثى ليست من إناث الأناسي ولا البهائم. . .)
فان زعم العاشق أن زوجته قردة فهو كاذب، وإن زعم أنها الهردة فهو أكذب. والمشكلة هنا مشكلة كل المجانين، ففي مخه موضع أفرط عليه الشعور فأفسده، وأوقع بفساده الخطأ في الرأي، وابتلاه من هذا الخطأ بالعمى عن الحقيقة، وجعل زوجته المسكينة هي معرض هذا العمى وهذا الخطأ وهذا الفساد؛ ولا عيب فيها، لأنها من زوجها كالحقيقة التي يتخبط فيها المجنون مدة جنونه فتكون مجلي هذيانه ومعرض حماقاته، وهي الحقيقة غير أنه هو المجنون.
فان كانت هذه الحقيقة مسألةً حسابية استمر المجنون مدة جنونه يقول للناس: خمسون وخمسون ثلاثة عشر، ولا يصدق أبدا أنها مائة كاملة؛ وإن كانت مسألةً علمية قضى المجنون أيامه يشعل التراب ليجعله باروداً ينفجر ويتفرقع، ولا يدخل في عقله أبداً أن هذا تراب منطفئ بالطبيعة؛ وإن كانت مسألةً قلبية استمر المجنون يزعم أن زوجته قردة أو هردة ولا يشعر أبداً أنها امرأة.
فان صح هذا الرجل مجنون فعلاجه أن يربط في المارستان ثم يجيء أهله كل يوم بزوجته فيسألونه: أهذه امرأة أم قردة أم هردة؟ ثم لا يزالون ولا يزال حتى يراها امرأة ويعرفها امرأته فيقال له حينئذ: إن كنت رجلاً فتخلق بأخلاق الرجال.
أما إن كان الرجل عاقلاً مميزاً صحيح التفكير ولكنه مريض مرض الحب، فلا يرى (النابغة) أشفى لدائه ولا أنجع فيه من أن يستطب بهذه الأشفية واحدا بعد واحد حتى يذهب سقامه بواحد منها أو بها كلها:
الدواء الأول: أن يجمع فكره قبل نومه فيحصره في زوجته ثم لا يزال يقول زوجتي، زوجتي، حتى ينام. فان لم يذهب ما به في أيام قليلة فالدواء الثاني.
الدواء الثاني: أن يتجرع شربة من زيت الخروع كل أسبوع. . . ويتوهم كل مرة أنه يتجرعها من يد حبيبته، فان لم يشفه هذا فالدواء الثالث.
الدواء الثالث: أن يذهب فيبيت ليلة في المقابر، ثم ينظر نظره في أي المرأتين يريد أن يلقى الله بها وبرضاها عنه وبثوابه فيها؛ وأيتهما هي موضع ذلك عند الله تعالى، فان لم