شمائله؛ واستمر عبد الرحمن بعد ذلك يسند إليه مختلف المهام الدقيقة فيؤديها بكياسة وبراعة؛ وكان الغزال في الواقع رجلاً خلاباً وسيم الطلعة - ومن ثم سمى بالغزال - يتمتع بصفات السياسي البارع وخلاله ومؤثراته، ويستخدمها دائماً بفطنة ونجاح
وقد انتهت إلينا عن هذه السفارة الفريدة رواية إسلامية ضافية لكاتب أندلسي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي وهو أبو الخطاب بن دحية البلنسي في كتاب له يسمى (المطرب في أشعار أهل المغرب)؛ وفيه يسرد تفاصيل رحلة الغزال إلى بلاد النورمانيين، ويورد لنا طرفاً من خلاله وشيئاً من نظمه، بيد أن هذه الرواية الضافية تعني بالناحية الشخصية والأدبية أكثر مما تعني بالتحقيق التاريخي، ومن ثم فان كثيراً من الغموض يحيق بالمكان وبالظروف التي وقعت فيها هذه السفارة ويترك المجال واسعاً لمختلف الفروض.
تقول الرواية إن يحيى الغزال ومساعده يحيى بن حبيب خرجا من مياه الأندلس الجنوبية في سفينة أندلسية خاصة أعدت لهما، وسارت بهما إلى جانب سفينة الرسل النورمانيين؛ واتجهت السفينتان نحو الغرب حتى خرجتا إلى المحيط؛ وشهد السفير المسلم من عصف الرياح وروعة الموج أهوالاً؛ وقد ترك لنا الغزال في وصفها شعراً يقول فيه:
قال لي يحيى وصرنا ... بين موج كالجبال
وتولتنا رياح ... من دبور وشمال
شقت القلعين وانبت ... ت عرى تلك الحبال
وتمطى مل المو ... ت إلينا عن حيال
فرأينا الموت رأى العي ... ن حالا بعد حال
ولكن الركب وصل سالماً إلى (بلاد المجوس) بعد رحلة شاقة مروعة؛ وسار الغزال وزميله إلى مستقر ملك النورمانيين. أما عن مستقر مملكة النورمانيين (المجوس) فتقول لنا الرواية ما يأتي: (وهي جزيرة عظيمة في البحر المحيط فيها مياه مطردة، وجنات، وبينها وبين البر ثلث مجار، وهي ثلاثمائة ميل، وفيها من المجوس ما لا يحصى عددهم؛ وتقرب من تلك الجزيرة جزائر كثيرة منها صغار وكبار أهلها كلهم مجوس، وما يليهم من البر أيضا لهم مسيرة أيام، وهم مجوس، وهم اليوم على دين النصرانية).