أنت وأبوك وجدك تحملون أنفسكم عناء كبيراً في التفكير في الأولاد، وتضحون بأنفسكم وأموالكم في سبيلهم، وتعيشون لهم لا لكم. أما عقليتنا نحن أهل الجيل الحاضر فأن نعيش لأنفسنا لا لغيرنا. لقد ضحك عليكم الدين والأخلاق ففهمتم أن الواجب كل شيء، وكشفنا اللعبة ففهمنا أن اللذة كل شئ، فنحن نمنع النسل، فإذا جاء قسراً فليعش كما يشاء القدر؛ ولنقدم حظنا على حظه، وسعادتنا على سعادته، ولا نفكر فيه طويلاً، ولا يتدخل في شؤوننا كثيراً ولا قليلاً قال الأب: وأمر المال كيف يدبر؟ كيف تعشن أنتن وأولادكن إذا كان طلاق وكان فراق؟ قلن هذا ظل آخر ظريف من ظلال تفكيرك، دع هذا يا أبانا والبركة أخيراً فيك.
أما بعد فقد خلا الأب يوماً إلى نفسه، وأجال النظر في يومه وأمسه، فبكى على أطلال سلطته المنهارة، وعزته الزائلة، ورأى أنهم خدعوه بنظرياتهم الحديثة، وتعاليمهم الجديدة - قال: لقد قالوا إن زمان الاستبداد قد فات ومات، فلا استبداد في الحكومة، ولا استبداد في المدرسة، فيجب ألا يكون استبداد في البيت؛ إنما هناك ديمقراطية في كل شيء، فيجب أن يكون البيت برلماناً صغيراً يسمع فيه الأب رأي ابنه ورأي أبنته ورأي زوجه، وتؤخذ الأصوات بالأغلبية في العمل وفي المال وفي كل شيء؛ وقالوا تنازل عن سلطاتك طوعاً، وإلا تنازلت عنها كرهاً، وقالوا أن هذا أسعد للبيت، وأبعث للراحة والطمأنينة، وقالوا أن هذا يخفف العبء عنك، فنحن نقسم البيت إلى مناطق نفوذ، فمنطقة نفوذ للمرأة، وأخرى للرجل، وثالثة للأولاد، وكلهم يتعاونون في الرأي ويتبادلون المشورة. سمعت وأطعت فماذا رأيت؟ كل إنسان في البيت له منطقة نفوذ إلا إياي، ولم أرى البيت برلماناً، بل رأيته حماماً بلا ماء، وسوقاً بلا نظام، إن حصلت على مال أرادته المرأة فستاناً، وأرادته البنت بيانو، وأراده الابن سيارة؛ ولا تسأل عما يحدث بعد ذلك من نزاع وخصام. وإن أردنا راحة في الصيف أردت رأس البر لأستريح، وأرادت الأم والبنت الإسكندرية قريبا من ستانلي باي، وأراد الابن أوربا؛ وإن، وأن، ' إلىما لا يحصى، ولا يمكن أن يستقصي؛ وأخيراً يتفقون على كل شئ إلا على رأي. فوالله لو استقبلت من أمر ما استدبرت ما تزوجت، فان كان ولابد ففلاحة صعيدية، لم تسمع يوما بمدينة، ولم تركب يوما قطاراً إلى القاهرة والإسكندرية، لها يد صناع في عمل الأقراص) ورأس صناع في حمل (البلاص)