تفرض سيادتك علينا؟ ورضيت بالخضوع لها فلم تأباه علينا، وهي أم الحاضر وأنت أبو الماضي ونحن رجال المستقبل؟ قال نعم. قالوا وأنت نشأت في زمن خضوع تام: خضعت لأبيك في المهد صبياً، وخضعت للفقيه في المكتب، والمدرس في المدرسة؛ فإذا قلت برأسك هكذا، قال الأستاذ بعصاه هكذا، فنكست رأسك، وغضضت بصرك، وأسعفتك عينك بالبكاء، ولم يسعفك لسانك بالقول، فلما صرت (موظفاً) وقفت من رئيسك موقفك من أبيك وأستاذك، تنفذ دائماً وتطيع دائماً - ولم يجر على ذهنك يوماً تفكير في استقلال، ولا على لسانك نداء بحرية؛ أما نحن فحريتنا في بيتنا: حررتنا على أساتذتنا، فحملناك كرهاً على تملقنا؛ ونادينا بالحرية فتبعتمونا في شئ من الرياء، تظهرون الطاعة لرؤسائكم وتبطنون الرضا عن حركاتنا، وتريدون أن تجمعوا بين الحرص على ماهيتكم والحرص على وطنيتكم المكبوتة. قال نعم. قالوا: فلما قدناك وقدنا رجالنا في السياسة فلنقدكم جميعاً في كل شئ: في البيت وفي المال وفي العلم وفي رسم الخطط: ولنقلب الوضع فنكون قادة وتكونوا جنوداً وإلا لم نرض عنكم جنوداً ولا قادة.
وقالت البنات لأبيهن:
يا أبانا الذي ليس في السماء! رقصت أمنا فرقصنا، وشربت أمنا فشربنا، وشربت سراً فلتسمح لنا بحكم تقدم الزمان أن نشرب جهراً، ورأينا في روايات السينما والتمثيل حباً فأحببنا، ورأينا عريا على الشواطئ فتعرينا، وتزوجت أمنا بإذن أبيها فلنتزوج نحن بإذننا. قال نعم. قلن وقد أوصتنا أمنا أن نركب الزوج، ولكننا أمام مشكلة يشغلنا حلها فأنّا نرى شبان اليوم كاخوتنا متمردين لا يخضعون خضوعك ولا يستسلمون استسلامك، فإرادتهم قوية كإرادتنا، وهم يحبون السلطة حبنا؛ فهم أحرار ونحن أحرار، وهم مستبدون ونحن مستبدات، فكيف نتفق؟ هل يمكن أن يبقى البيت بعدة استبدادات؟ ولكن لا بأس يا أبانا! هل البيت ضرورة من ضرورات الحياة؟ أو ليس نظام الأسرة نظام عتيقاً. من آثار القرون الوسطى؟ قال نعم. قلن على كل حال فيصح أن يجرب جيل النساء الجديد مع جيل الرجال الجديد، فان وقع ما خشينا عشنا أحراراً وعاشوا أحراراً، وطالبنا بتسهيل الطلاق وبهدم المحاكم الشرعية على رؤوس أصحابها، وتعاقدنا تعاقداً مدنياً. قال الأب: وماذا تفعلن بما ترزقن من أبناء وبنات؟ قلن لك الله لا أبانا! إنك لا تزال تفكر بعقل جدنا وجدتنا! لقد كنت