للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقتلهن أنتم أيها الأطباء، فأنتم الذين تحملون المكروبات القتالة من المرأة المريضة إلى الأخرى الصحيحة. . .!) وما كان صاحب الصوت إلا بستور، وكان قد قام عن مقعده، وكانت عيناه تتطاير شرراً.

قال الخطيب: (قد تكون على صواب، ولكن أكبر ظني أنك لن تجد هذا المكروب أبداً. . .) وأراد أن يعاود خطابته المقطوعة، ولكن بستور كان في هذه اللحظة قد اخترق الصفوف ومشى إلى المنبر يجر وراءه رجله، وقد كانت شُلت بعض الشلل. ولما بلغ السبورة أمسك بعنف قطعة من الطباشير وصاح في الخطيب وهو في ضيقه، وفي أعضاء المجمع وهم في دهشة مما جرى، قال: (أنت تقول إني لن أجد هذا المكروب. أيها الرجل، إني وجدته، وشكله هكذا!) ورسم بستور على السبورة سلسلة من دوائر صغيرة، فأنفض الاجتماع في اختلاط كالعِقد انقطع نظامه.

كان بستور قارب الستين من عمره، ولكن كان لا يزال به عنف الخامسة والعشرين وتهورها، وكان كيميائياً، واختص في تخمير سكر البنجر، وعلم الخمارين كيف يدفعون الفساد عن خمورهم، وترك هذا العمل فجأة وأخذ في تخليص دودة القز مما اعتراها، وقام في فرنسا بالدعاية إلى تحسين البيرة الفرنسية وفعلاً تحسنت عما كانت، وقضى تلك السنين الطويلة يشتد على نفسه في العمل فأنجز فيها ما يستنفد أعمار عشرة رجال، ولكنه ظل يحلم دائماً طوال هذه السنين بالمكروبات وبأمل إصطيادها، لأنه عَلم عِلم اليقين أنها سبب مصائب الإنسان ومنشأ أمرضه الخبيثة

ولكنه استيقظ يوماً فوجد كوخ سبقه إلى ما أمل فحل العقد التي رجا هو أن يحلها. وإذن تحتم عليه أن ينهض لكوخ هذا وأن يلحق به. وكأني به يتمتم لنفسه فيقول: (وعلى كل حال فالمكروبات من بعض الوجهات من متاعي وحقي، وأنا أول من أبان خطرها منذ عشرين عاماً لما كان كوخ طفلاً صغيراً. . . .)

على أن لحاق بستور بكوخ قامت دونه عقبات. منها أن بستور لم يجس نبضاً قط، ولم يقل قط لرجل مصفور أخرج لسانك. ولقد يشك في قدرته على تمييز الرئة من الكبد. ومن المؤكد أن يده لم تكن تعرف كيف تأخذ بالمشرط. أما تلك المستشفيات القاسيات فبعداً لها وسحقاً، فقد كانت روائحها تبعث الألم في قرارة معدته، وكانت أصوات مرضاها وأناتهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>