تخرج من حجراتها إلى دهاليزها القذرة فيألم لها صاحبنا فيهم بسد أذنيه ويفر منها هارباً. على أن بستور لم يلبث أن تخطى هذه العقبات وذلل هذه الصعوبات. فهذا كان دائماً دأب هذا الرجل الذي لا يغلب، إذا قامت في سبيله صخرة فلم يستطع أن يقفز من فوقها دار من حولها. فاتخذ لنفسه أعواناً ثلاثة من الأطباء فبدأ أولا بالطبيب جوبرت ثم بالطبيبين وشمبرلاند وكانوا أحداثاً صغاراً. في آرائهم أحراراً، بل بلاشفة ثائرين على الطب القديم وتعاليمه السخيفة. وجلسوا في المجمع الطبي يستمعون لمحاضرات بستور، وكانت مما يزهد عامة الأطباء فيه، ولكن هؤلاء الثلاثة كانوا ينصتون ويغتبطون معجبين ببستور عابدين مؤمنين بكل نبوءة يتنبأ بها من كل وباء فتاك يثيره كل خبيث دقيق يخفي على البصر من الأحياء. تفضل بستور ففتح لهذا الثالوث أبواب معمله، فعلموه عوضاً من هذا تركيب جسم الحيوانات وكيف تعمل وتحيا، وعرفوه المحقن فأبانوا له الفرق بين إبرته وكابسته، وأقنعوه بأن الحيوانات مثل الأرانب والخنازير الغينية لا تكاد تحس إبرة المحقن وهي تضرب في جلدها، وكان رجلا يسوؤه أن يرى الألم أو أن يفعله. وعقدوا الخناصر فيما بينهم على أن يكونوا لوليهم هذا عبيداً طائعين، وأن يكونوا لهذا العلم الجديد رسلاً مبشرين.
إن صيد المكروب ليس له سبيل واحدة يقال لها هذه، وهذه فحسب. وتلك حقيقة لا مراء فيها. ودليلنا عليها السبيلان اللتان اتخذهما كوخ وبستور لنفسيهما، فقد اختلفا اختلافاً بيناً على الرغم من اتفاق الغاية التي قصدا إليها. أما كوخ فكان يطبق المنطق في برود قاتل، حتى لكأنه كتاب هندسة في يد طالب - فقد بحث بِشلة السل بتجاريب غاية في التنظيم، وخال عنها كل الاعتراضات التي يخالها الشكاكون الناقدون، وذلك قبل أن يعلم هؤلاء بوجود شئ ينقد. وكان كوخ ينشط إلى ذكر خيباته كما ينشط إلى ذكر فوزاته، وبمقدار واحد لا يزيد في هذه على تلك أبداً. فقد كان له إحساس بالعدل غير إنسي. وكان ينظر إلى كشوفه نظرة الناقد المتغالي حتى لكأنها لغيره. أما بستور فقد كانت في قلبه شهوة على البحث متقدة، فكانت تخرج من رأسه النظريات الصائبة تتلوها أخواتها الخاطئة في تتابع سريع كأنها صوارخ النيران انطلقت في مهرجان، ولكن في قرية، فخرجت على غير عمد وفي غير نظام.