بدأ بستور يبحث عن مكروبات الأمراض فثقب دملا في عنق أحد أعوانه وربّى مما أخرج منه جرثومة؛ وما أسرع ما أيقن أنها أصل الدمامل وسببها. وبغتة ترك ما هو قائم فيه من ذلك وهرع إلى مستشفى فوجد مكروبه المتسلسل في أجسام النسوة وهي تموت، فما أسرع ما قال إنه مكروب حمى النَفّاس! ومن المستشفى طار إلى الريف ليكتشف أن دود الأرض يحمل بشلة داء الجمرة من جثث الأبقار الوبيئة المدفونة في باطن الأرض ويخرج بها إلى ظهرها، ثم هو لا يثبت كشفه هذا إثباتاً كاملاً. كان بستور عبقرياً في العباقرة، غربياً يحس بحاجة دفاعة إلى القيام بعشرة الأمور في آن واحد، ولا يحتفل بمقدار الدقة التي ينجزها بها فهي قد تنقص وقد تزيد، كل هذا ليكشف عن تلك الذرة من الحقيقة التي تتراءى في أكثر أعماله
خبط بستور في كل أرض، وهب مع كل ريح، وليس بعسير عليك أن تدرك في كثرة خبطاته وتنوع هباته أنه كان يتلمس طريقاً تؤدي به إلى سبق كوخ والتفوق عليه. أثبت كوخ في وضوح جميل أن الجراثيم تحدث الأمراض؛ لا شك في هذا. ولكن ليس هذا كل شئ. ليس هذا الإثبات أهم شئ. فأهم منه اكتشاف طريقة تمنع هذه الجراثيم من قتل الناس؛ أهم منه حماية الإنسان من الموت. وفي سبيل هذا ظل بستور يخبط طويلاً على غير هدى. قال رو يصف تلك الفترة من حياة بستور بعد أن فاتت بزمان طويل:(أي تجربة سخيفة لم نبتكر! أي تجربة مستحيلة لم نتخيل! ثم يصبح الصباح فنضحك من أنفسنا من جرائها ملء أفواهنا طويلاً).
لا بد لفهم بستور من تفهم أخطائه وانهزاما ته بمثل ما نتفهم إصاباته وانتصاراته. لم يكن لبستور صبر كوخ ولم تكن له دقته، فلم يهتد إلى ما اهتدى إليه كوخ من تربية الميكروبات نقية. فذات يوم أغلى بستور بولا في قبابة وزرع فيها بشلات الجمرة ثم نظر إليه بعد ذلك فساءه وغلظه أن وجد به ميكروبات دخيلة جاءته من الهواء. وفي الصالح التالي نظر إليه أخرى فلم يجد به من مكروبات الجمرة شيئاً. لقد ذهبت بها جميعاً مكروبات الهواء! وعندئذ يقفز بستور قفزة بارعة إلى الفكرة الآتية:(حيث أن مكروبات الهواء المسالة استطاعت أن تخنق بشلات الجمرة التي في القبابة فلا شك أنها فاعلة ذلك في الأجسام. والظاهرة واضحة: مكروب يأكل مكروب). وما أسرع ما صاح بذلك في الناس! وما أسرع ما كلف