للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عونيه رو وشمبرلاند بإجراء تجربة بديعة في الخيال مؤداها حقن مكروب الجمرة في خنازير غينية ثم اتباعها بحقن مكروبات هادئة مسالمة رجاء أن تطارد في الدم تلك المكروبات الثائرة اللعينة فتقتلها وتزدردها ازدراداً. وأعلن بستور في جِدّ عابس قال: (إن هذه التجربة قد يكون من ورائها انفتاح الأبواب لعلاج الأمراض وشفائها). وهذا آخر ما تسمع منه عن هذه التجربة التي أثارت كل هذا الأمل الهائل. فهكذا كان بستور يخفي إخفاقاته عن العلماء فيحرمهم من درسها، وقد يكون في درسهم إياها الإصلاح والنجاح.

غير أنه لم يمض قليل من الزمن حتى كلفته أكاديمية العلوم أمراً غريباً وبعثته إنابة عنها رسولاً، وفي أداء هذا الأمر وإيجاز هذه الرسالة عثر بستور غير عامد على حقيقة أنارت له السبيل فاهتدى على نورها إلى طريقة يؤنس بها شوارد المكروبات فتنقلب من بعد عدائها للإنسان أمناً عليه وسلاماً. نعم وقع على هذه الحقيقة فأخذ بناء عليها يخط الخطط ويحلم الأحلام، فيجد نفسه قد أثار المكروب الحي بعضه على بعض، وبث فيه الخصام فأباد نفسه بنفسه، فنجا الحيوان والإنسان من الموت، وكفى الله المؤمنين القتال. وقصة ذلك أنه شاع في ذلك الوقت أن بيطرياً اسمه لوفرييه اكتشف علاجاً لداء الجمرة، وذلك في جبال الجور بشرق فرنسا. وذاع أمر هذا العلاج واشتهر. وشهد أعيان الناحية بأن مئات الأبقار شفيت به وهي على باب الموت، وإذن آن أوان العلم أن يقر هذا العلاج الجديد.

- ٢ -

وبلغ بستور تلك الناحية من جبال الجورا، وصحبه أعوانه الشباب فوجدوا أن هذا العلاج المعجز يتلخص أولا في أن يقوم نفر من الفلاحين بدعك البقرة المريضة دعكا شديدا لتحتر ما استطاعت إلى الاحترار سبيلا، ثم يشرط جلد البهيمة المسكينة شرطا، ويصب زيت التربنتينة على هذه الشروط صباً، وبعد التمثيل بها هذا التمثيل الشنيع يغطى جسمها إلى رأسها بطبقة سميكة من مادة لا نذكرها تأدباً، وذلك بعد نقيعها في الخل الساخن، وتظل البقرة تصعق بالخوار شديداً من الألم ولا سامع ولا راحم. أما وقد تم كل هذا، وقد ودت البائسة المعذبة لو تموت، فيغطى جسمها أجمع بثوب شامل ليستبقي هذا المرهم الغريب عليها زمناً مقدوراً.

قال بستور للوفرييه: (إن البقر الذي تصيبه الجمرة لا يموت كله بل يشفى بعضه من ذات

<<  <  ج:
ص:  >  >>