من هذه العذراء البارعة التي تشرف هكذا على الساحة الحمراء فتطفئ جذوات الغل المتقدة بين أضلاع أخيل، وتضع حداً لهذه الثورة التي ظلت إلى تلك اللمحة تعصف بنفسه الغضبى، وتحز في قلبه المحزون؟. . .
أوه. . .!! إنها الأميرة الفتانة بوليكسينا، صغرى بنات الملك الشيخ. . . بريام البائس الباكي الحزين. . .
لقد أرسلتها العناية لتشرف على الساحة الصاخبة، ولينظر إلى هذا البطل الخرافي الجبار الذي لم يعد بيت في طروادة كلها إلا وفيه لسان يلهج بذكره، ويتحدث عن شجاعته، ويخوض في جبروته. . . ثم لم يعد بيت في طروادة كذلك، إلا وفيه عين مؤرقه تبكي على عزيزها الذي قتله هذا البطل، أو الذي سيقتله، أو الذي يخشى منه عليه أن يقتله. . . كأنه أصبح سفير هيدز إلى اليوم، أو وزير بلوتو العظيم!!
وأبصر أخيل بها. . . ويالها من نظرة أنبتت في قلبه دوحة من الحب وارفة، ذات ظلال وذات أفياء. . . .
وظل الرمح يهتز في يده. . . ولا يصيب أحداً. . . وظل هو يسارق قمر البرج المطل نظرة فنظرة، وظل مشدوهاً مسبوهاً. . . لا يعرف لم شبت هذه الحرب، ولم يقتتل هذان الجمعان؟!. . . وانثنى من الميدان ينظر في هذا الغرام الجديد. . .
ولم يجد بداً من العمل لإحلال السلم محل تلك الحرب التي طالت وتتابعت عليها السنون، من غير أن يظفر الهيلانيون بالطرواديين، أو الطرواديين بالهيلانيين، ومن غير أن يفكر أحد في هذه المجزرة الشائنة التي تفتدي كل يوم بقطوف الشباب من زهرات الأمتين على السواء.
فيا له من حب مهد السلم، لولا قساوة في القلوب زادتها الثارات عنفواناً، ولولا شرف أمة بأسرها تعبث به امرأة، ولولا الأحن التي ذهبت بأبناء الملوك الصيد!
واستطاع أخيل أن ينفذ رسله إلى بريام يستعتبه، ثم استطاع الرسل أن يخاطبوا الملك في بوليكسينا على أن تكون أحب أزواج أخيل وآثرهن إلى قلبه، فوعدهم الملك، بعد إذ لحظ من افتتان ابنته هي الأخرى بزعيم الميرميدون، أن تتم مراسيم الزواج حين تضع الحرب