كل من اطلع على كتابنا يدرك لأول وهلة أننا أردنا أن يكون مرجعاً علمياً تاريخياً لمن يريدون التوسع في التاريخ الإسلامي
وليس من المعقول أن كتابا سيقع في ستة مجلدات لا ينقص أحدها عن ستمائة صفحة قد قصد في وضعه أن يكون في متناول الطلاب الذين لم يتموا الدراسة الثانوية - فإذا أكثرنا من ذكر المصادر، وإحالة من يريد التوسع عليها، فليس الغرض أننا نبغي السمعة عند الناس كما يتهمنا الناقد - سامحه الله - وإنما هو انتهاج الطريقة الحديثة، مراعاة للأمانة، وكشفاً للطريق لمن يريد زيادة التحصيل، وتبرؤاً من قول قد لا يتفق ورأينا الشخصي. أما الزعم بأن كتابنا من الكتب المدرسية التي جرى العرف بأن يقتصر فيها من ذكر المراجع في صلب الفصول على الضروري فزعم لا يتفق ووضع الكتاب وطريقة البحث فيه، ويدرك ذلك من عنده أدنى تأمل؛ وإذا كان حضرة الناقد كلف نفسه بعض المشقة لوجد أننا عمدنا إلى الطريقة الثانية المختصرة في كتابنا (تاريخ العصور الوسطى في الشرق والغرب) للسنة الثانية الثانوية.
وليت شعري كيف يحكم حضرة الناقد بأن كثرة المراجع التي اعتمدنا عليها صورية لا حقيقة، وكيف يدعي بأن حرصنا على التكثر والتزيد قد حملنا في كثير من الأحيان على أن ندلل على ما لا يحتاج إلى دليل، وأن نعدد المراجع ولو كانت في مرد أمرها ترجع إلى مصدر واحد؟ أليس أحق بالغرابة والإشفاق أن يتخذ من إحالتنا القارئ لخطبة أبي بكر على أربعة كتب قديمة اختلفت رواياتها بعض الاختلاف، سبباً في أننا ندلل فيما لا يحتاج إلى دليل؟ أننا لا نشك في أن البحث التاريخي الحديث يوافقنا، بل يطلب أن نعدد المراجع ما استطعنا، ولو لم تخلف الروايات من تقديم أو تأخير، ما، أو إبدال لفظ بلفظ. فما بالك وتلك المصادر الأربعة قد ذكرت في كل منها الخطبة مختلفة عن زميلاتها بعض الاختلاف؟ على أننا لم ندر ما هو الضرر الذي يلحق بالكتاب ويصيبه في نظر الناقد من ذكر المصادر، أربعة أو أكثر أو أقل، حتى عن خطبة قيمة يعرفها طلاب المدارس وينكرها بعض الأساتذة.
ولقد طوح القلم بحضرة الناقد، ودفعه الحرص على إلصاق العيوب إلى التهجم على كتاب يعتبر أصح الكتب بعد كتاب الله بإجماع المسلمين، ذلك هو صحيح الأمام أبي عبد الله