مثل ذلك في غير اللحم من الآكال فما أردنا إلا التمثيل؛ وكذلك المرأة، فمن كانت يعنيها أن يبقى حب الرجل لها أطول زمن ممكن، فلتكن على كل لون وعلى كل صورة تُشتهى
ولا أحتاج بعد هذا أن أقول: إني لا أومن لا بالحب الأفلاطوني ولا بالوفاء، ولست أعني أني استهجنهما أو أعيبهما، فليس الأمر أمر استهجان أو عيب، وإنما أعني أنهما لا يوجدان مع الصحة والسلامة؛ وإذا كان من الممكن أن يشبع الجائع بالنظر إلى الطعام في أطباقه على السفرة، وأن يحيا المرء بأن يأكل بعينه أو خياله، فإنه يكون من الممكن أيضاً إرضاء عاطفة الحب عند الرجل السليم المعافى بالنظر إلى المرأة والاستماع إلى حديثها والتمتع بابتسامتها ورشاقة وقفتها أو حسن جلستها. والذي يقنع من المرأة بذلك يكون أحوج إلى الطبيب المداوي منه إلى المرأة.
أما الوفاء فأكرم به وأنعم! ولكن أين في دنيانا من يصبر على طعام واحد وفي وسعه ألا يفعل؟ وأقول (من يسعه ألا يفعل) وأنا أعني ما أقول، فما يلتزم الوفاء إلا من يعجز - بسبب ما - عن خلافه. وأسأل القارئ وأعفيه من الجواب العلني: أي رجل لم ينقض عهداً بالوفاء بالفعل أو بالنية أو بالخاطر أو بالخيال - على حسب الأحوال؟ والمرأة كالرجل وشأنها كشأنه. وكذاب من يقول - وكذابة من تدعي - غير ذلك. ولست أدعو إلى شيء - وحاشا أن أفعل - ولكني أصف واقعاً، وأقر حقاً لا يكابر فيه إلا منافق يريد أن ينتحل فضلاً على حسابي وحساب الحقيقة. والذي يجعل الوفاء مستحيلاً في الواقع أن الحياة قائمة على التحول لا على الثبات، والمرء يتغير حتى ليمكن أن يقال أنه يخلق كل يوم خلقاً جديداً مولداً من الخلق السابق أو أنه يموت ويجيء غيره باسمه؛ وكل يوم يحياه هو يوم ماته، وبعث بعده كرة أخرى في صورة تخالف الأصل من بعض الوجوه. وقد شرحت هذا من قبل في مقالات شتى في (البلاغ)(والأهرام) ولا أذكر أين أيضاً، فلا أعيد هنا ما قلت. . . . . .
وليس هذا رأياً جديداً لي، فقد نظمت فيه شعراً كثيراً نشر بعضه، ولن ينشر البعض الآخر؛ وأذكر مما نشر هذه الأبيات: