فعرض على زعماء الحملة أن يدعى مهرة النجارين والمثالين فيصنعوا حصاناً هُولةً كبير الحجم. . . خاوي الجسم، فيكون بداخله جمهرة من أقوى شجعان الهيلانيين وأبسلهم، ثم يوهم الأسطول أنه أبحر بجنود الحملة، فإذا مضى شطر من الليل، وأقبل الطرواديون على الحصان فأدخلوه مدينتهم تذكاراً لهذه الحرب الضروس التي أكلت أخضرهم، وأحرقت يابسهم، وذهبت بالزهرة اليانعة من شبابهم. . . ثم إذا كان الهزيع الأخير من الليل. . . خرج الأبطال المختبئون ففتحوا أبواب إليوم، وينقض الجيش المرابط، فيحتل المدينة العاتية التي رغمت تحت أسوارها أنوف، وذلت جباه، وذابت أنفس، وذهبت أرواح، دون أن ينال منها أحد. . . .
وطرب القادة لهذه الحيلة التي بدههم بها أوليسيز. . . . وانصرفوا عن القتال وهم له كارهون. . . وانصرف الطرواديون فاعتصموا بأسوارهم، ورابطوا داخل صياصيهم، ومهرة النجارين وكبار المثالين دائبون على حصانهم الهولة حتى فرغوا منه. . .
وأقلع الأسطول. . .
وانكشفت الساحة من هذا الجراد المنتشر الذي لبث ينوء فوقها عشر سنين. . .
واختبأ أوليسيز داخل الحصان ومعه نخبة من شياطين الميرميدون، وعلى رأسهم ببيروس النجيب، ابن أخيل الخالد، وعصبة قوية من فرسان الإغريق البواسل. . .
ودق الطرواديون البشائر. . .
وجاءوا يُهرعون إلى الساحة، ويتكبكبون حول الحصان الهولة، ويكلمون سينون الذي تركه الهيلانيون عند الحصان ليخدع الطرواديين ولينصح لهم بنقله إلى المدينة ليكون آخر الدهر تذكاراً لهذه الحرب التي شنها قومه على طروادة ظلماً، فباءوا منها بالبوار. . .
(. . . . . . هؤلاء الهيلانيون اللؤماء، الذين انصبت عليهم أحقاد الآلهة، وثار بهم كبير الأولمب وسيده الأعظم، وسلطت عليهم الزوابع والأنواء حتى كادت تفنيهم، لولا أن أمروا بتضحية قربان بشري ينجيهم من غضب السماء. . . ولكن؟. . . من منهم أصاخ إلى الأمر المقدس؟ ومن منهم سمع إلى هتاف الأولمب؟ لقد جبنوا جميعاً! ولم يشأ واحد منهم أن يضحي بنفسه لينقذ الجميع، حتى أوليسيز! أوليسيز نفسه؟ هذا الداهية المغفل! لقد جبن