للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيعة لها سر لا يفشى وخدعات لا تؤتمن، أو أن الغيب قد يخبئ كثيراً من العثرات ويأتي بكل غريب لا يحتسب. بل لقد تراءى هذا الغيب في عينيه رائقاً كالماء، شفافاً كالهواء، سهل القراءة كما تقول اثنان من اثنين ينتجان أربعة. فلم يكن لرو وشمبرلاند بدٌّ من رفع الأكمام وكشف السواعد والأخذ في تجهيز الألقحة.

وجاء يوم الامتحان الأكبر، فكانت المحاقن جاهزة، والقبابات حاضرة، وكل قبابة عليها أسمها. وصاح بستور فيهما وقد هموا جميعاً بركوب القطار: (إياكما يا ولدي أن تخلطا بين الألقحة). وكان قلبه مليئاً بالثقة ووجهه يطفح بشراً. ولما بلغوا بويي لو فرت - وصلوا إلى الحقل الموعود حيث الثماني والأربعون شاة وبضع الأبقار والعنزتان؛ تقدم بستور إلى الميدان، فدخله دخول مصارع الثيران، وانحنى وطيئاً للجمهور المحشود، وكان فيه أعضاء من مجلس الشيوخ الجمهورية، وكان فيه علماء وبيطريون وكثير من ذوي الأحساب ومئات المزارعين. فسار بستور بين صفوفهم يعرج قليلا ً - عرجة العظم والوجاهة لا عرجة الضعف والاستعطاف - فحيوه تحية صارخة، وتسخر به قليل.

وحضر جماعة من رجال الصحافة، وكان من بينهم رسول جريدة التيمس السيد دي بلاوتز هذا الرجل المعروف الذي أصبح اليوم في التاريخ كأنه شخص خرافي مما يحكى عنه من الأعاجيب.

وسيقت الغنام إلى فرجة من الحقل، وقام رو وشمبرلاند إلى مصابيح الكحول فأشعلاها، وإلى المحاقن الزجاجية فأخرجاها بحذر من لفائفها، وجاءا بلقاح الجمرة الضعيف الأول الذي يقتل الفئران ويبقى على الخنازير الغينية، فحقنا منه خمس قطرات في أفخاذ أربع وعشرين شاة وفي عنزة وفي نصف البقر. ونهضت البهائم وهزت برؤوسها، وأعلمت بثقب في آذانها. ثم قاد بستور جموع الناس إلى إحدى الزرائب، وخطبهم نصف ساعة خطبة فخمة في هذه الألقحة الجديدة، وبشر فيهم بالرحمات التي تحملها الإنسانية المعذبة.

ومر اثنا عشر يوماً، وجاء الناس مرة أخرى إلى الحقل واحتشدوا فيه، فقام أعوان بستور إلى اللقاح الثاني الأقوى الذي يقتل الخنازير الغينية ولا يقتل الأرانب، وحقنوا منه المواشي مرة ثانية، ونهضت بعد الحقن نشيطة كما يجب أن تكون الشياه والماعز والأبقار السليمة الصحيحة، وأقترب الموعد الخطير للحقنة الثالثة، وهي أقوى الثلاثة فتحرج جو

<<  <  ج:
ص:  >  >>