أطلب هذا، إذ لا يتيسر الوقوف على كل ذلك إلا لمن كان له ميل إلى الرياضيات ورغبة في الطبيعيات وولع في علم السموات. ولكن أقول إن علم الفلك برغم دقة بحوثه وما يحويه من عويص الموضوعات فيه كثير من البسائط سهلة التناول قريبة المأخذ تسهل الإحاطة بها وفهمها بدون تكلف أو صعوبة فنية. وهذه هي التي أدعو إلى إدخالها في مناهج التعليم العالي حتى يخرج الطالب ولديه فكرة عن هذا الفرع السامي مما يعود عليه بأجل الفوائد من الناحية الروحية والمعنوية فيرفعه إلى ما هو أسمى من عالمه وأعلى من محيطه المادي
ولعلم الفلك فوائد عدة جليلة أهمها أنه وسع نظر الإنسان وأفق تفكيره في الكون، وجعله يدرك بوضوح وجلاء أن الكون وما يحويه من أجرام تسير على أنظمة ثابتة لا تتغير وأن الظواهر الجوية والطبيعية لا تحدث عفواً وأتفاقاً، بل إنها سائرة حسب قوانين ونواميس لا فوضى فيها ولا شذوذ، عرف الإنسان بعضها ولا يزال يجاهد في معرفة البعض الآخر، وأصبح في استطاعة الفلكي أن يتنبأ عن الخسوف والكسوف وغيرها من ظواهر طبيعية قبل حدوثها ووقوعها بعشرات السنين.
لقد كان العلماء في القرون الماضية يعتقدون أن أكثر ما يجري في هذا العالم هو من قبيل المصادفة وأن ليس هناك نظام شامل أو ناموس مسيطر، ولكن بحوث علم الفلك أفسدت هذا الاعتقاد وأقمت الأدلة على بطلانه، فثبت أن كل ما يجري حولنا سائر على أنظمة خاصة وسنن ثابتة، وأن ما يسيطر على أصغر أجزاء المادة يسيطر على أكبرها؛ فالنظام الذي تسير عليه الذرة بألكتروناتها ونواياها هو النظام بعينه الذي يسير بموجبه النظام الشمسي والنظم الأخرى بكواكبها ونجومها وشهبها ونيازكها، وهذه الفائدة هي من أجل الفوائد التي جناها العالم من علم الفلك، فكانت سبباً في تقوية أيمانه بوجود قوة خارقة منظمة مبدعة عن طريق البحث والاستقصاء والتفكير العميق.
وكيف لا يكون علم الفلك علماً مفيداً وقد حذر الإنسان من الانخداع بالظواهر وعدم الاعتماد عليها في كثير من الأحيان وعلمه كيف يعمل العقل والفكر في اكتناه حقيقة هذه الظواهر والوقوف على أسباب حدوثها. ألم يعتقد الإنسان في العصور الأولى والمتوسطة بأن الأرض هي محور هذا الوجود، وأن الشمس وغيرها تدور حولها، وأن كل شيء في