الكون تابع للأرض، فهي مركز دائرة هذا العالم والعنصر الأساسي فيه؟ كان هذا الاعتقاد سائداً يدين به كثير من نوابغ العلماء وفحول رجال الفكر، وبقى الأمر على هذا الحال إلى أن تقدم علم الفلك فرمى بهذه الأوهام عرض الحائط وبَيّن للناس أن الأرض ليست إلا ذرة تدور في فضاء الله الواسع، وأن الشمس وكواكبها وتوابعها ليست إلا جزءاً يسيراً جداً من هذا الكون الذي لا يعلم مداه إلا العليم القدير. لقد بين لنا أن علم الفلك أن الإنسان جرم متوسط بين الكوكب والذرة، وأنه يستطيع بفعل ذلك وبفضل ما وهبه الله من قوى روحية ومعنوية أن يدرك حقيقة الأشياء الصغيرة من جهة والكبيرة من جهة أخرى، واستطاع فوق ذلك أن يعرف الشيء الكثير عن حركات النجوم وطبائعها والعناصر التي تتكون منها، وثبت له أن النجوم ليست إلا معامل كيمياوية وبوادق هائلة ذات حرارة عظيمة جداً من الصعب تصورها؛ وقد يأتي يوم يستطيع فيه الفلكي أن يكشف أسراراً مغلقة عن كيفية تفاعلات عناصرها بعضها مع بعض، وسيجدون في هذه الاكتشافات ما يعود على البشرية بخير عميم. وما يدرينا لعلهم يستطيعون من دراسة النجوم وكشف غوامضها أن يقفوا على سر الحياة وهو ما يصبو إلى الوصول إليه كبار العلماء وعباقرة الفلاسفة ونوابغ المفكرين.
والذي لا أشك فيه أن في إدراك الإنسان لبعض هذه الحقائق وفي وقوفه على النواميس والأنظمة المسيرة لهذا الكون في صغار محتوياته وكبارها لمن العوامل الرئيسية التي جعلته يسيطر على كثير من عناصر الطبيعة وأفعالها، ومن هنا نتجت فوائد مادية عجيبة لم تكن في الحسبان ولا خطرت على قلب إنسان. وزيادة على ذلك استطاع الفلكيون أن يصلوا إلى نتائج باهرة في تاريخ الكون وعمره فثبت لهم أن الإنسان لا يزال عند مبدأ حياة جنسه، وأنه لا يزال عند فجر يقظته العقلية، وأن تاريخه كله إلا طرفة عين إذا قيس بأعمار النجوم، وأنه ليس في استطاعته أن يتفهم كل عجائب الأكوان وغرائب الوجود، ولما يمض على ظهور عقله إلا دقة واحدة من دقات ساعة الفلك، وأنه كلما تقدم في الزمن وقف على مدهشات وعجائب تحير العقل، وتخلب اللب، وتثير الدهش، وتزيد في العبر.
والآن. . . وبعد أن ظهر لك بعض الفوائد التي جنتها البشرية من هذا العلم السامي المبني على أدق القوانين الرياضية والطبيعية، وبعد أن تبين لك أثره بحوثه على عقلية الإنسان، بعد كل ذلك هل من الأنصاف أن يقال إنه علم غير مفيد؟