حكم زيلند - في الماضي السحيق - الملك روثجار وكان أبداً مظفراً في حروبه ظاهراً في غزواته، تضفي عليه تلك اسماً عريضاً، وتدر عليه هذه أسلاباً وغنائم، حتى إذا أتخمه الخير، وفاضت خزائنه غنى، أبتني له ولفرسانه قصراً منيفاً جميل الأبهاء فسيح الأرجاء، موشي الجوانب مستفيض الرونق، يقيمون فيه نهارهم لاهين فرحين، وليلهم قاصفين ثملين - وإلا فمن أولى من الأبطال الميامين بساعات تروح عنهم أكلاف الحرب وأثقال النزال؟
قام القصر على أرباض شاطئ رملي، ينداح حتى ينتهي إلى مجاهل موحشة تتاخم أغوار الماء حيث يقيم المارد جرندل المخيف في رفقة أمه، وكان الفرح والنور أعدى أعداء ذلك المارد؛ جرى في دمه بغض متأصل لهما، ما يكاد ينفذ إلى حواسه منهما دبيب أو بريق، حتى يثور داءه، وحتى يود لو ألتهم هذا القصر الذي ما عرفت حياته غير الفرح والنور، وبعث به إلى فمه لقمة تنساغ بالبرد والراحة إلى جوفه، وبيت أمراً ما زال يتربص له الفرص متلصصاً حول القصر، حتى إذا آنس من أهله غفلة ران بها عليهم كرى ثقيل، وذبلت الأضواء وخرس الصخب، أنساب إلى القصر خفية، ثم كر عنهم وفي قبضته ثلاثون فارساً. حتى إذا تنفس الصبح ألهب القصر شجيً وأقام بأرجائه مناحة!
وتمضي أثني عشر عاماً قاسية مريرة، يفجع فيها المارد قصر هيوروث في كل ليلة، وينفلت سالماً في كل مرة بضحاياه لا تطفأ له حفيظة أو يرد سغب، حتى أوشك القصر أن يقفر من رجاله، وحتى تهاوى الملك روثجار منحدراً إلى الضعف والهرم، يثقله الحزن وتتلقفه الفواجع وترامت الأنباء ومَلك الأسى كل قلب، حزناً على ذلك الملك المجيد، وعلى ما ألم به من مصائب لا تكاد تبين!
وفي قصر هايجلاك ملك جوتلند، حيث يعيش قريبه الفتى بيوولف ترددت أنباء الفجيعة، فدلفت من أسماع الفتى إلى قلبه، وحركت فيه توقاً إلى ملابسة هذا المشهد، والى الاستمتاع بمصارعة ذلك المارد، الذي طغى وطغى حتى لا مزيد على طغيانه. كان فتى خارق القوة، يختزن كفه بأس ثلاثين رجل، يملك على نفسه حب المخاطرة سعياً وراء الاسم ونشوة النصر، وفي خمسة عشر من صفوة رجاله احتواه السفين فجرا، ميمماً مملكة زيلند، حتى طالعتهم صخورها تلتمع في أضواء الغسق الخفيفة في فجر اليوم التالي. وقابلهم حارس