الشاطئ في شك، وما عتم أن صحبهم إلى القصر كما طلبوا. وهنالك على الأبواب ألقوا بتروسهم ومزاريقهم، وخفوا إلى لقاء الملك في خوذاتهم الذهبية وقد زادتهم بهاء وروعة (ودب إلى روثجار بمرآهم دبيب الصبا وعاودته أحلام الفتوة) وأفضى إليه بيوولف إنه جاء في طلب المارد، عله يريح الشعب الصديق من شره وأذاه. ورحب الملك بمعونته شاكراً. ودوت أبهاء القصر مرحبة بالضيوف البواسل، ومضى النهار وشطر من الليل في قصف وشراب وغناء ورقص. حتى إذا دنى موعد قدوم المارد تسلل كلاً إلى فراشه وخلا البهو لبيوولف، يلتفع الظلال ويتخفى بها متحفزاً للقاء معداً له عدته.
برز المارد من مكمنه فما هي إلا أن ولج باب القصر، حتى احتواه بهوه، تومض عيناه شرراً، وتنطلق ضحكاته عريضة، وقد وجد سبيله ممهدا؛ فالكل غاف مستغرق. وتناول أقرب النوّام إليه فعب دمه ثم التهمه، ودار إلى فريسة أخرى، وإذا بقبضة بيوولف الجبارة تشل ساعده. أذهلته فجاءة، ولكنه ما لبث أن أفاق إلى صراع عنيف مع بيوولف - وأهتز القصر تحت أقدامهما، وتهاوت السرر، وتحطمت المقاعد، وفزع النوام على ذلك المشهد المروع. وجاهد المارد طويلاً وأستجمع بطشه، لا ليحطم بيوولف كعهده ببني البشر، وإنما ليقنع بالإفلات تاركاً لقبضته كتفاً مخلوعاً وذراعاً مفصولاً!
وجاء الفجر، فخرج بيوولف برجاله في أثر دمائه المنزوفة، وهنالك على الشاطئ طالعهم الماء أحمر قانياً وقد صبغه الدم المسفوك، فأيقنوا أن المارد قد ودع الحياة إلى القاع قبراً يطويه، فلا نشور له ولا رجعى. فيا للفرح يثير البلاد ويملك عليها المشاعر! ويا بيوولف يخب في الخلع، وتثقله الجوائز!
استطاعت الأجفان أن تطعم النوم في ليلتها تلك، ولكنها نامت عن أم ثكلى، قرح الدمع أجفانها، وتحلبت شفتاها قرماً وعصف بها طلب الثأر. وفي هدأة الليل هاجمت أم المارد القصر، وأهله تستغرقهم أحلام النصر، ومضت عنه ومعها ذراع ابنها وأحد النبلاء انتقاماً للقتيل، وإرواء لهامته! وهب الغافلون فزعاً فإذا بها تمضي إلى وكرها كالريح الخاطف، الأمر الذي أحنق بيوولف فأقسم ليلحقنها بابنها وشيكاً.
خرج بيوولف برجاله صباحاً يقتصون أثرها، ويذرعون تلك المجاهل الموحشة، فإذا بها أرض عذراء تكتنفها الخوانق، وتقطعها الأخاديد، وترقشها برك ومستنقعات آسنة، تعج