مصرية لأم كلثوم وعبد الوهاب وسامي الشوا ومن إلى هؤلاء. وتباع الأسطوانات المصري هنا بثمن مرتفع قد يفوق ثمنها الأصلي أضعافاً مضاعفة. ولقد مرت علينا أيام رأينا فيها أسطوانات أم كلثوم وعبد الوهاب تباع الواحدة منها بثلاثة جنيهات إنكليزية قبل هبوط الإسترليني.
والواقع أن الألحان والأغاني المغربية التي كانت إلى عهد قريب منتشرة شائعة في المغرب العربي قد اختفت اليوم من الميدان، وتخلت عن مكانتها من الذوق المغربي العام لألحان مصر وأغانيها، ولا نستثني هذا التراث الذي بقى بأيدينا من فن الأندلس وغنائها فقد تزحزح هو الآخر عن مكانه للغناء المصري وترك له المجال واسعاً فسيحاً.
ولما أعلنت الحكومة المصرية إنها ستفتح في القاهرة محطة للإذاعة اللاسلكية تهالك الناس في الجزائر وتونس ومراكش على أجهزة المذياع (الراديو) يشترونها ويقتنونها رجاء أن يستمتعوا بسماع ما تذيعه مصر من الأغاني والمحاضرات، ولكنهم عادوا فجعلوا يبيعون أجهزتهم ببعض قيمتها عندما تبين لهم أن المحطة المصرية لم تكن محطة عالمية يمكنهم سماعها.
كل هذا دليل على أن الذوق العام في بلاد المغرب العربي هو نفس الذوق العام في مصر ليس بينهما شديد خلاف. ولعل تونس ومراكش هما أرقى من هذه الناحية، فالحياة فيهما مترفة ناعمة تؤثر الطرب والسماع، وتميل إلى اللهو والاستمتاع، بخلاف الجزائر فأنها عريقة في البداوة مطبقة الجهل والأمية، لا تزال تغلب عليها حياة العشائر الأولى، تشعر القبيلة فيها بأنها قبيلة وكفى، وقلما تشعر بأنها شعبة من الجزائر فضلاً عن أن تشعر بأنها من الأمة المغربية أو الأمة العربية الكبرى. ولعل مدينة وهران قد ضربت الرقم القياسي في البداوة والأمية وفي البعد عن العالم العربي دون أنحاء الجزائر كلها، ومع ذلك فكل مقهى من مقاهيها، وكل بيت عربي فيها، فيه (فونوغراف) لا يخلو من الأسطوانات المصرية، وإننا لنسمع فيها الأنغام الساذجة البسيطة التي تحاكي رسيم النجائب وخبب الجياد إلى جانب الفن والإبداع في أنغام أم كلثوم وعبد الوهاب.
ولما عرض فيها للمرة الأولى الشريط المصري (أنشودة الفؤاد) أقبل عليه هذا الجمهور العربي في وهران إقبالاً منقطع النظير طيلة ثلاثة أسابيع، وبعد بضعة أشهر عرض للمرة