الثانية وأستمر عرضه ثلاثة أسابيع أخرى فكان الناس إلى الحفلة الأخيرة يتدافعون إليه بحماسة وشوق لا نظير لهما حتى أن منهم من شاهده عشر مرات!
وعندما أزمعت فرقة مصرية للتمثيل الهزلي أن تقوم برحلة في بلاد المغرب قالت عنها جريدة مصرية محترمة إنها ستبوء بالفشل الذريع، وستقنع من الغنيمة بالإياب، أو أنها على الأقل ستكابد في مهمتها ألواناً من المشقة والعناء ما لم تترجم مسرحياتها من اللغة المصرية إلى اللغة المغربية. وقامت هذه الفرقة برحلتها ونجحت في مهمتها نجاحاً باهراً لم يكن يخطر لها على بال، وتذوق المغاربة رواياتها وفكاهاتها وأدركوا مغزى (النكتة) المصرية من ملهياتها من غير أن تضطر إلى ترجمة كلمة مصرية واحدة إلى اللغات المغربية؛ وبعبارة أخرى أن هذه الفرقة وجدت نفسها في بيئة عربية مغربية لا تختلف عن مصر إلا كما تختلف الهيئة المصرية نفسها باختلاف المديريات والأقاليم، ووجدت أن كل ما يقال من وجود لغة مصرية ولغات مغربية هو من الأوهام الباطلة لا أصل لها، وإنما يوجد لسان عربي واحد تتكلمه الشعوب العربية (مصر وأخواتها) بلهجات تختلف اختلافاً لا يحول دون التفاهم بين الناطقين بالضاد، ولا توجد في الدنيا لغة إلا ولها لهجات تختلف فيما بينها اختلافاً كثيراً أو قليلاً.
وكثير من الغربيين من يعتقدون أن الشعوب العربية تتكلم اليوم لغات مختلفة متباعدة فيما بينها، وبعيدة كل البعد عن العربية الفصحى التي أصبحت في نظرهم لغة مواتاً. كما أن الشعوب اللاتينية تتكلم اليوم لغات متباعدة فيما بينها جداً حتى لا يمكن للفرنسي أن يفهم الأسبانية أو الإيطالية دون أن يتعلمها، وهذه اللغات هي الآن بعيدة عن اللغة اللاتينية التي هي أصلها.
وفي هذه الأيام نشرت صحيفة فرنسية تصدر بالجزائر مقالاً عن الحج إلى بيت الله الحرام عنوانه:(اللغة الفرنسية في مؤتمر مكة) زعم فيه كاتبه أن حجاج الجزائر ومراكش وتونس وطرابلس ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق سيتفاهمون في (مؤتمر مكة) لهذا العام باللغة الفرنسية، لأن لكل فئة من هؤلاء الحجاج لغة قومية لا يفهمها الآخرون، ولأن الفرنسية منتشرة بين جميع الطبقات في هذه الأقطار. وأبى أن يرجع إلى الصواب إلا بعد أن رأى بعينيه وسمع بأذنيه بحارة مصريين يتحادثون مع بعض العملة الجزائريين