للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بحيث يحتقرون مظاهر الجاه والثروة ويطئونها تحت أقدامهم

فالقرآن هو المثل الأعلى لتوجيه الإنسان إلى الطريق السوي الذي يحتم على كل مسلم غيور ألا يحيد عنه قيد شعرة؛ والمسلم الذي لم تعم بصيرته عن تلك الحقائق ويفقه تعاليم دينه فقهاً صحيحاً يرى أن القبس الروحي يتأجج في قلوب المسلمين جميعاً ممن لا ينكصون من التضحية وبذل الواجب، والذين يفنون ذواتهم في ذات الغرض الأسمى، ويأخذون على عواتقهم التغلب على كل أمر والتجول في أنحاء العالم لنشر الدعوة وإظهار فضائل دينهم ومحاسنه

والواقع أننا قد نجد بعض مظاهر هذه القوة في الأيمان عند بعض الأمم الأجنبية الأخرى، لكنني ألفيت في قلوب إخواني المسلمين كنوزاً تفوق في قيمتها الذهب والأحجار الكريمة؛ ولقد عاشرت مسلمين فقراء كانوا لا يحجمون عن أن يقاسموا رفاقهم آخر كِسرة يملكونها من الخبز. . . كم استضافوني في بيوتهم المتواضعة وأعطوني أعظم شيء في الوجود!. . إنهم منحوني إحساس الحب والتآخي، ولقنوني عمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعندما أطلقوني من ضيافتهم فاهوا بحكمة نبيهم الكريم: (اطلبوا العلم ولو في الصين)

وعقب وصولي القاهرة قصدت فوراً للإقامة في الحي الوطني المعروف (بسيدنا الحسين)، لكني لم أوفق للحصول على سكن ملائم

لقد كنت من خلال إقامتي الطويلة بتركيا أقطن في غرفة رحبة مؤثثة بالطنافس الوثيرة والرياش الفخم، وكنت أتناول أفخر المآكل الشرقية وأشهاها؛ فمن مظاهر الحياة الإسلامية فن الطهي، إذ يؤثر على النبي الكريم أنه كان يحث الناس على العناية بمسائل الطعام وبالذبيح المحلل، ولا تخفى الفائدة من وراء ذلك، فاتباع الطرق الصحية ووسائل النظافة والعناية باللحم مما يزيد في صحة الأجسام ومناعتها

كانت آمالي إذن قبل القدوم إلى القاهرة أن أقيم في بيت من تلك البيوت العربية الطراز، وبين قوم يرتدون اللباس الشرقي الفضفاض ويتناولون الطعام بأيديهم، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فأنني لم أوفق في الحصول على سكن ملائم، فاضطررت إلى الإقامة في نزل أوربي.

<<  <  ج:
ص:  >  >>