يهبطوا إلى الأرض ينزلون فيها بين الناس منزلة الآلة الذي يقدسه النصارى. هؤلاء هم السادة ولهم وحدهم صنعت فضيلة السوبرمان.
وهذه الفضيلة لا تتميز من غيرها بأنها فضيلة أرستقراطية فحسب، ولكنها تخالفها في المثل الأعلى الذي ضربته، أما الإنسان الفاضل في الشريعة المسيحية أو شريعة الزهاد فهو الذي يخضع حياته لمثل أعلى، ويضحي بميوله ورغابه في سبيل عبادة الخير والحق. أما العاقل في شريعة نيتشه فهو غير ذلك. العقال هو خالق (القيم) وليست مهنته إلا خلقها! لا شيء في الطبيعة له قيمة بنفسه، أن عالم الحقيقة هو مادة واحدة لا معنى لها ولا غاية إلا المعنى أو الغاية التي نراها نحن فيها ونعطيها إياها. الفيلسوف الحقيقي هو الرجل الذي ينطوي على شخصية قادرة على خلق الوجود، ويبعث في الناس الرغبة ويستهويهم، هو الشاعر العبقري الذي تتألف في نفسه (القيم الاجتماعية) التي يؤمن بها رجال العصر! هو مفكر في الأشياء، لكن تفكيره ليس إلا الشريعة السامية التي تهتز لها أمم! يبدع بحرية ما يشاء مستقل الفكر سائماً من الخير والشر، من الحقيقية وغير الحقيقة. هو يبدع حقيقته، ويخلق شريعته وفضيلته. إنه رجل مجرب لا يفتأ يتحرى عن صور لعوالم جديدة. تراه يضحي بحياته وبسعادته، ويفادي بحياة الآخرين الذين يجرون في مضماره وبسعادتهم دون أن يتزعزع. إنه لاعب جريء يتحدى الحظ، لا يحفل إذا كانت لعبته الحياة أو الموت.
أن العاقل عند نيتشه ليس بذي لروح الهادئ المسالم. هو من لا يعد الناس بالسلام وبالفرح الهادئ باقتطاف ثمرات عملهم. ولكنه يدفعهم إلى الحرب يلمع بين عيونهم الرجاء بالنصر والأمل بالظفر يقول زرادشت:
(إنكم ستتحرون عن أعدائكم، إنكم ستقاتلون وستحاربون من أجل فكرتكم، فإذا غلبت فكرتكم فليدفعكم إخلاصكم إلى السرور بهزيمتها. إنكم تحاربون السلم كوسيلة لحروب جديدة، على أن السلم الصغير هو خير من السلم الكبير
أنا لا أنصح لكم بالعمل، ولا انصح لكم بالسلم، ولكن أوصيكم بالظفر. ليكن عملكم حرباً وسلمكم ظفراً.
يقولون: أن السبب الشريف يقدس الحرب. وأنا أقول لكم: أن الحرب الشريفة هي التي تقدس كل سبب.