لا يجب أن يكون لكم من الأعداء إلا المبغضون لا الحقيرون، وإذ ذاك تكونون أولي زهو وكبرياء بأعدائكم، حتى ليغدو ظفرهم عليكم ظفراً لكم.)
أن القتال عند نيتشه هو خير سبب يعمل على التقدم، لأنه يرى مواضع الضعف ومواضع القوة. يرى الصحة والمرض في المادة والأخلاق. وقد يكون القتال تجربة خطرة يريده العاقل ليزيد في حيوية الحياة ويزيد آفاقها سعة. وليدرك قيمة فكرة ما وقدرتها على الإحاطة بمعاني الحياة. الحرب نعمة حسنة في ذاتها وتنبأ نيتشه بأن أوروبا ستدخل في عصر قتال تتطاحن فيه شعوبها في سبيل سيادة العالم.
وبينما كانت (القيم الاجتماعية) الأولى تضع الشفقة في رأس هذه القيم، كان زرادشت يِعلم رفاقه بأن الإرادة هي الفضيلة العليا (هذه هي الشريعة الجديدة التي أوصيكم بها، كونوا قساة أشداء) إذ يجب في الحقيقة على المبدع بأن يكون قاسياً عنيفاً إذا أراد أن يخضع الحظ، أو أراد أن يوحي بتعاليم جديدة. أن الشفقة ليست عنده بفضيلة، ولكنها خطر من أكبر الأخطار التي تلاقيه.
ألم يسمع (زرادشت) حول كهفه أصوات اليأس يرددها الرجال الذين يدعونه (تعال! تعال! قد حان الوقت) فلو أن الشفقة عليهم استهوته إليهم لكتب عليه الغلبة. إنه يحتاج إلى قوة قاسية تصرف عنه تأثير هذا الدعاء الباكي.
بينما كان زرادشت يغادر بيته لاحقاً اليائسين الذين يجأرون له، نزل مكاناً موحشاً خيل إليه إنه مدينة الموتى. هناك الصخور البارزة السوداء والشماريخ الحمراء، حيث لا تنبت عشبة ولا ينجم كوكب ولا يزقزق عصفور. هذا هو واد ينفر منه الحيوان، لا يأوي إليه إلا الأفاعي العظيمة الزرقاء، تأتيه في كهولتها لتعانق الموت فيه. في هذا المكان المروع أبصر (زرادشت) هيكل إنسان قبيح، فلم يشأ أن يتأمله، وَهَمَ بأن يركض ما استطاع فراراً من هذا المسخ. ولكن صوتاً أهاب به كأنه غرغرة محتضر أو بقية ماء في منحدر.
- زرادشت، زرادشت! نبئني بِسري! ما هو الانتقام من الشاهد؟
وفجأة استولت على زرادشت شفقة غريبة، ولكنه سرعان ما استعاد قسوته وصرامته، فأجابه
- أنا أعرفك. . . أنت قاتل الإله، دعني أسر في طريقي؛ أنت لم تحتمل من كان يراك