ونعيد تلاوة صحائف الماضي ونستعرض ذكريات المدرسة بلذة وفرح، ونسرد فصول رواية الحياة الكبرى بين مآسي المرآة وفواجع كسب المال.
أنبلج الصبح انطفأت مصابيح الكهرباء، تبدلت وجوه رواد القهوة وقد أورمها السهر وخنقتها الخمر بوجوه نضرة فياضة بقوة الراحة المستمدة من النوم تستقبل النهار لتستأنف الجهاد في ميادين العمل، بقيت وصاحبي وحدنا الجالسين الهانئين بذكر حوادث الماضي ثم افترقنا على موعد للتلاقي.
كان الليل يجمعني وصاحبي في باريس على مائدة طعام أو شراب، وكان لنا في كل جلسة جولة أو جولات في معترك الحياة، غير أن جلسة الليلة اختلفت عن سابقاتها في الجو الذي هيأه وجود كاهن شرقي أعرفه بصحبة سيدة في المطعم.
جال خاطر مفاجأ في ضميري فابتسمت، استطلعني صاحبي معنى الابتسامة فرغبت إليه أن يقرع بكأسه كأسي فنشرب النبيذ البكر على ذكر صداقتنا البكر!!
نظر إلى متعجباً وقال: هل من طارئ جديد؟
قلت: بلى قال: ما هو قلت: هل في وسعك الآن وقد طويت مرحلة من الشباب واكتملت رجولتك أن توضح لي أسباب حزنك في حداثتك ونفورك من والديك، وتوقك إلى البعد عنهما، وقطيعتك إياي وقد أفسدت عليك تدبير التحاقك بالآباء البيض؟
أبتسم صاحبي فذكرني بسمة العروس الأرملة وقال: أحسب وجود الكاهن في المطعم بثوبه الأسود الفضفاض ولحيته المسبلة على صدره هو الذي نبه ذهنك إلى هذا الموضوع.
قلت: هو ذاك
سكن صاحبي هادئاً كأنه يفيض ذهنه في قلبه، وأطبق أو كاد يطبق أجفانه كمن يقرأ سطور الضمير في سفر الغيب، وطفق يقول: اشكر لك هذا السؤال، لأن في الإجابة عليه تفريجاً عن كرب مستعص آن أوان البرء منه.
كانت عقدة نفسية عقدتها الحساسية المرهفة والشعور الوجداني فحللتها لوحدي على مهل. أُكرهتْ والدتي على الزواج من والدي الأرمل ولما يكن له من العمر تسعة عشر عاماً بعد، فكان جمالها، ووجاهة أهلها، وزواجها من فتى أرمل، علة جرحت كبرياءها بين أترابها الفتيات، وبثرة تنكأ النكد الأليم والنفور المتواصل ونزق الشباب، فكنت أستشعر أني