كنت ثمرة زواج أنضجتها عناصر الجسد ولم تشملها موجات الروح بوحدات من الحنان والعطف الوالدي إلا بمقدار ما كانت الوسيلة تمهد للغاية!!
ودت لو أكون الوسيلة لإقرار الغاية المثلى من الزواج، ألا أن الغاية كأنها تكونت للاتصال الوقتي الذي يعقبه النفور، فكنت أتمنى لو يتهدم الجسر فيبقى كل قلب على ضفة يشطرها عن أختها نهر الحياة!!
آثرت الصدوف عن مرآي زهرة نبتت عفواً في ارض رملية، وعزفت عن تربة لا حياة فيها ولا رجاء، فلذلك كنت أنكر نفسي وأشفق على الناس يلمّ بهم حزني، وأبكي لشقاء والدي.
كان يعرف والدي في حدة الإحساس والشعور المرهف فأستبدل أبوته لي بأخوة.
أقنعني، لما أبلغته أنت خبر اعتزامي على الالتحاق بالآباء البيض، بأن في ابتعادي عنه مهدمة عاجلاً لحياة تنهار من نفسها ببطء، ويتمنى أن لا أتعجل انهيارها فيبلغ القبر قبل أن أشب وأقوى، وقال دع البيت يحترق بنار هادئة ثم أعمل أنت على بناءه من مواد لا تقبل الاحتراق.
ثم قال لي: لا فائدة من علوم الكهنوت للذين يتهيئون لأن يطلوا على أرجاء الحياة السحيقة من كوات الدين الضيقة، وأن علوم الدين على وجاهتها وقداستها، تغل العقول، وتضيق الأذهان، وتبلد طبيعة الرجولة في الإنسان، وأن الكهنوت صناعة يحترفها الكسالى والبلداء، وأن الرجل الذي يعارك الدهر ويظفر منه بسلاح من الخلق السامي ونبالة القصد، والذي ينصر الإنسانية بروح منبعث من فيض إنسانيته هو، لا من تعاليم تحورت فصيرت جماعات الإنسان عبيداً للأفراد من بني الإنسان.
رأيت دموعاً جالت في عيني صاحبي وتحدرت كالبرد على خديه، ولمحت صور نفسه تشرق وتتجلى في صفحة جبينه وتقاطيع وجهه، وتكور جفونه، وانقباضات حاجبيه وشفتيه.
تناولنا كأسينا فأفرغنا ما بقي فيهما، أترعناهما بالرحيق من جديد، زودت غليوني بالتبغ، وقبيل إشعاله سألت صاحبي: ماذا كان مصيرك لو ذهبت صحبة الآباء البيض وتعلمت