للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسول الذي تتمخض الإنسانية فتلده، لا يمكن مطلقاً أن تقيده قيود إكليريكية، أو علمانية، أو تغله سلاسل الملكية أو الإقطاعية، أو تعوقه البرجوازية أو الرأسمالية لأنه خلق في الأصل لأن يكون صاحب رسالة!!

شتان يا صاحبي بين رجل روحاني تطوح به الأقدار والمصادفات فتلقيه بين مخالب المادة فتكتنفه من كل جانب فتغرقه بين طيات لذاذاتها، وبين رجل موهوب لو اجتمعت عناصر الطبيعة، وأتمر الوجود على طمسه والطغيان على وجوده لسخر من الطبيعة والوجود وبرز كالظاهرة الكوكبية في أجواء الفضاء يلمع ويسطع بين عناصر الكون ليتمها بوجوده!!

شتان بين البارقة من الروح وإشعاعاتها كلها، في كل إنسان نسمة من هذا الروح. أما صاحب الرسالة فهو روح بذاته.

ستعود إلى أمريكا وأرجع أنا إلى مصر، وقد نتلاقى ثانيةً، وقد لا نتلاقى لا في هذا العالم ولا في العالم المجهول، وستبقى أنت كما كنت مجداً في تنظيم مشاريعك الاقتصادية تموه بها على نزعة النسمة من روحك التي أكسدها الاستغراب في المادة، وسأرجع أنا إلى مثل ما أنا كنت عليه في تصوير الجمال بالألفاظ المتناسقة إرضاء لنسمة الروح المصقولة باندماجي فيها، وستلد الأمهات الآلاف مثلك ومثلي، وسيكون لكل منهم اتجاهه الخاص. نعم، وقد تعوق اتجاهه بعض العوامل الخارجية وتعرقله في إظهار ما في وسع نسمة الروح إظهاره من رسالة، ولكنها لم تصده عن إتمامها على الوجه المقنن في خصائصها وعناصرها المقننة!!

كلنا أبناء الطبيعة الهوجاء، والقدر الأرعن، والمدبر العابث، كلنا صرعى الفوضى وضحايا التشتت، إنما الرسول الملهم هو الذي يستجمع من الهوج والرعن والعبث ألواناً زاهية يرسم فيها للحياة صوراً جميلة فاتنة مغرية تجتذب الجماعات المغمورة بالجهالة صوب الغاية من وجود الحياة!!

باخرتان: اتجهت الواحدة صوب الغرب تحمل رجلاً ينزف دمه في عبادة المال حيث أربابه هناك، وألقت الثانية مراسيها في ميناء شرقي تعيد إليه عابداً من عباد الحب والجمال والفن حيث آلهتها هنا!

<<  <  ج:
ص:  >  >>