للنحو والصرف الثقيلين كما يفعل المبرد ولا للاستطراد الخفيف الروح كما يفعل الجاحظ. إنما خفة روح الأمالي من نمط آخر غير نمط البيان والتبيين، نمط فيه التاريخ والقصص والأساطير أحياناً ممزوجة بالأدب، ثم تفسير لما ورد فيها من غريب اللغة.
ولكن أخذ عليه بعض أشياء في تأليفه، فجاء أحد موطنيه وهو أبو عبيد البكري الأندلسي أمير لبلة وصاحب جزيرة شلطيش، فأراد أن يخدم الأمالي بتكميل نقصها، وتحلية عاطلها، فألف في ذلك (كتاب اللآلئ في شرح أمالي القالي) وأجمل غرضه فيما قدم بين يدي كتابه فقال: (هذا كتاب شرحت فيه من النوادر التي أملأها أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي ما أغفل، وبينت من معني منظومها ومنثورها ما أشكل، ووصلت من شواهدها وسائر أشعارها ما قطع، ونسبت من ذلك إلى قائلي ما أهمل. . . وذكرت اختلاف الروايات فيما نقله ذكر مرجح ناقد، ونبهت على ما وهم فيه تنبيه منصف لا متعسف ولا معاند، محتج على جميع ذلك بالدليل والشاهد والمستعان الله).
ثم جاء الأستاذ عبد العزيز الميمني الهندي أستاذ اللغة العربية بجامعة عليكره فقام في هذا الكتاب مقام يستحق الإعجاب حقاً، ويستحق التقدير حقاً، وقد دلنا منه على علم غزير وإطلاع واسع وأن لم يكن ذلك خافياً علينا من قبل.
فقد أخرج كتاب (اللآلئ في شرح أمالي القالي) إخراجاً علمياً على النمط الذي ننشده، فعارض بين نسخة المختلفة من مكية وألمانية؛ وبذل أقصى الجهد في تصحيحها، ولاقى عرق القربة في ضبط أعلامها وبلدانها وأشعارها وغريبها، ووقف في كثير من المواضع موقف الحكم بين أبي على وأبي عبيد، ينتصر لهذا حيناً وذاك حيناً بالدليل والبرهان؛ ورأى أن أبا عبيد البكري أقتصر في شرحه ونقده على كتاب الأمالي دون الذيل فوقف الميمني موقف البكري في ذلك، وشرح الذيل ونقده - وراجع في كل ذلك مئات من أمهات الكتب. وسيعجب القارئ كيف وقف على الأبيات المختلفة المنتثرة في هذه الكتب العديدة وعرف مواضعها، ووفق إلى استخدامها، ثم ختم ذلك بتصحيح أغلاط وضبط روايات، وتقييد زيادات، لكتاب الأمالي وذيله المطبوع في مطبعة دار الكتب، فأوفى في ذلك كله على الغاية.
ومنطقه في أحكامه على القالي والبكري منطق صحيح غالباً، وأن أخذ عليه شيء فاستعماله