واقتباس من الثقافات الأجنبية، كالثقافة الفارسية والهندية واليونانية، وميل إلى الفكاهة والأحماض؛ وكتاب الكامل غلبت عليه طبيعة المبرد من ميل إلى النحو والصرف، لأن المبرد كان أديباً نحوياً فأحسن ما يعجبه من الأدب ما استطاع أن يخرج منه إلى مسألة نحوية أو صرفية ثم يطيل النفس في ذلك حتى كان الكتاب كتاب نحو؛ وهو لا يستطرد في الشؤون الاجتماعية كما يفعل الجاحظ، ولكنه يعنى بالثقافة العربية مصبوغة بالصبغة النحوية؛ فمظهر الجاحظ مظهر المتكلمين من سعة الإطلاع وتفتيق الموضوع، ومظهر المبرد مظهر النحويين الأدباء من تشقيق اللفظ وتخريجه وإعرابه واستعراض معاني الكلمات في أوضاعه المختلفة.
أما القالي فقد غلب عليه الأدب واللغة اكثر من غلبة النحو والحديث؛ وأكثر ما ألف في اللغة والأدب، فقد ألف البارع في اللغة، وشرح المعلقات، وكتب في الإبل ونتاجها، والخيل وشياتها الخ. فثقافته ثقافة عربية لغوية؛ ثم هو ليس عربياً كالجاحظ والمبرد بل هو مولى للأمويين: كان جده سلمان مولى لعبد الملك بن مروان، ولعل هذا ما حدا به إلى أن يرحل من الشرق إلى دولة مواليه الأمويين في الأندلس؛ وهذا يميزه عن الجاحظ والمبرد بأن علمه كان علم حفظ وجمع ورواية لا تعتمد على السليقة كما يعتمدان. فهو إذا أراد أن يخطب أرتج عليه، ولكنه في درسه واسع العلم غزير الرواية وكان كتابه الأمالي مظهراً لذلك، ينقل القطعة المختارة من العرب في شعرهم ونثرهم وحكمهم وخطبهم ووصاياهم - واكثر ما ينقل عن أستاذه أبي بكر بن دريد - ثم يتبع نقله بتفسيره بما ورد في القطعة الأدبية من ألفاظ لغوية، ويشقق الكلمة اللغوية ويبين معانيها، وكثيراً ما يستشهد على معنى الكلمة ببيت من شعر قديم أو مثل سائر أو نحو ذلك. وكتابه يمتاز بأنه يروي كثيراً من القصص العربية الأدبية، وهي نزعة أتت له من أبن دريد، فقد كانت على ما يظهر محباً لهذا النوع من القصص اللطيف. فأكثر ما يرويه القالي في أماليه من هذا القبيل: فأعرابيات يصفن آباءهن، ومحاورة للفرزدق مع بعض الأعراب، ووصف أعرابي للدنيا وقد سأل عنها، ووصايا رجل لبنيه وامرأة لبناتها الخ؛ فمختاراته ليست جافة جفاف (الكامل)، ولا أدباً بحتاً كأدب (الكامل)، إنما هو أدب فرش له فرش جميل وعد له إعداد أنيق. لم يجرد فيه الظروف من ظرفه، ولم تسلب فيه الحسناء حليها؛ وقل أن يتعرض فيه