كانت هذه المدة الوجيزة كافية لأن تجعل الشاب فكري أفندي يهوى الفتاة، ولأن يجعل الفتاة تحب ذلك الشاب، كأنما قد عزم كل منهما ابتداء على أن يحب الآخر إذا رآه! حقاً إن هناك نوعاً من الحب ينشأ للنظرة الأولى، ولكن ذلك الحب لا يستطيع أن يكون من نظرة عابرة جاءت عفواً؛ ولئن كانت النظرة السريعة تعقب الحب فلا بد أن يكون هناك عامل قد ساعد عليها، وأنه من حق النظارة أن يروا ما هو ذلك العامل الذي أسرع بالحب إلى هذا الحد.
على أننا إذا سلمنا أن الحب قد ينشأ من النظرة العجلى، فأنا لا نستطيع أن نسلم أن تبادل ذلك الحب يكون بغير تدرج ولا تقديم، وذلك على الأقل بين أصحاب النفوس المثقفة المهذبة، فكان لا بد للمخرج أن يدبر من الحوادث ما يساعد على إتاحة الفرص لتبادل ذلك الحب وإنمائه، ولكن فلم دموع الحب سار من المقابلة القصيرة الأولى إلى نزهة في الفجر في الحديقة يلتقي فيها الشاب بالفتاة ويبادلها أول ألفاظ التعارف فلا يكادان يسيران معاً دقائق قليلة حتى ترتفع الكلفة، وحتى يندفع الاثنان في تصريحات ودية، وحتى تبادلا الحب تصريحاً. ثم يسير الفلم بعد ذلك إلى نزهة لا مناسبة لها، ولا تفسير يعلل حدوثها، وفيها يتبادل المحبان العهود والمواثيق على أقدس أنواع الارتباط.
ومثل آخر لا يستطيع الناظر إلا أن يصطدم به وهو عندما عاد فكري أفندي من السفر بعد أن تبسم له الحظ ليحمل إلى حبيبته بشرى تحقيق الأمل في الزواج فيجد حبيبته في الحديقة إلى جوار حلمي صديقه، ولم يكن يعرف أن ذلك الصديق له أية علاقة بحبيبته وكذلك لم يكن ينتظر أن يجد تلك الحبيبة في مثل تلك الجلسة الخاصة مع شاب آخر. ومع ذلك فأنه لم يفعل شيئاً أكثر من أن وقف وجعل يتكلم عما جاء له، وكأنه لم يلاحظ شيئاً في وجود حبيبته في الحديقة منفردة مع شاب يناجيها وحيداً. ألم يكن من حق الناظر أن يرى علامة من علامات الاستياء على وجه المحب المتيم؟ ألم يكن على الأقل من حقه أن يرى علامة من علامات الدهشة أو الارتياع على وجه الشاب الذي أتى يحمل كل آماله إلى حبيبته فلا يجدها تطير نحوه كما كان ينتظر؟ وأين كرامته المجروحة؟ وأين حبه الثائر؟ وأين غيرته ونيران حقده؟ ثم ذلك الصديق الذي خانه مع سابق إخلاصه إليه وآسر على سعادته مع ما قدمه له في الأيام الماضية من وده وإخائه. ألا يستحق منه غير ذلك الموقف الفاتر الخامد؟