كان له أثر عظيم في تحويل العقل عن الاستغراق في القصة، وإلى إزالة غشاء الخيال عن جو القصة وإعادتها إلى جو آخر تنبه فيه العقل إلى أن الصور التي أمامه إن هي إلا صور متحركة وليست قصة حياة.
ولقد جرى مخرجو الأفلام المصرية إلى الآن على عادة لا نظنها تؤدي بهم أبدا إلى التفوق المنشود، وذلك أنهم يحاولون الاستغناء عن المؤلف الأديب. ولو كان المؤلف الأديب غير ضروري لكان لهم العذر فيما يذهبون اليه، ولكانت رغبتهم في الاقتصاد مفهومة واضحة، إذ لا نستطيع أن نلومهم على اقتصاد مبلغ من المال بدل أن يبذلوه للأديب الذي لا فائدة منه، ولكن الأمر على غير ذلك، فان أول أساس لنجاح القصة أن تكون قصة صالحة مكتوبة كانت أو مترجمة. ولقد رأينا فيما مضى أن أقوى مهارة في التمثيل تضمحل وتنتهي إلى الفشل التام إذا لم يكن دعامة ذلك التمثيل موضوعاً سامياً وقصة رائعة ذات جمال وفن وأدب؛ ونحن إذا استعرضنا المحاولات التي حاولها المخرجون إلى الآن لم نجد أنهم خصصوا لناحية القصة عناية تذكر. وقد يشكو المخرجون من أن الأدباء لا يواتونهم بالمؤلفات اللائقة كما أنهم قد يشكون من أن الأدباء يظهرون لهم من صعوبة المراس ما يجعلهم ييئسون من تعاونهم، ولكننا مع ذلك نريد أن نذكرهم ببعض أرقام قد تكون لها دلالة كبرى فان متوسط ما يناله الأديب الإنجليزي نظير قصة من قصص الأفلام يتراوح بين خمسمائة جنيه وألف جنيه، في حين أن متوسط ما يناله الأديب من هوليوود أكثر من ألف جنيه بلا نزاع؛ وليس من العجيب ولا المحرم أن يفوز المغني بآلاف الجنيهات؛ وكذلك ليس من العجيب ولا المحرم أن يفوز المخرج أو الممثل أو عارض الأفلام بآلاف مثلها، ولكنا نضيف إلى ذلك أنه ليس من العجيب ولا من المحرم أن يفوز الأديب ببعض تلك الألوف، لأنه شريك أساسي في المجهود الفني. ولهذا نرجو أن يعني المخرجون باختيار الموضوعات وألا يضنوا على الأدباء بما يشجع المبرز منهم على التخصص في إخراج ما تحتاج إليه الأفلام المصرية من القصص.
هذه كلمة لا نقصد بها إلا خدمة ذلك الفن الوليد ونحن على يقين من أن القراء مدركون قصدنا منها، وكذلك نرجو أن يحملها المخرجون والفنانون على المقصد السامي الذي نرمي إليه.