بستور لا يلام هذا اللوم كله، ففرْقُ ما بينهما واسع واضح، فهذان إنما طلبا الحق على الأسلوب الذي ارتأياه ولم يتطلبا شيئاً سواه، أما بستور فقد ساقه بحثه رويداً رويدا إلى حيث يفقد المرء لبَّه ويُضيَّع رشدَه، إلى صناعة تخليص الأرواح من براثن الموت، وهي صناعة ليس الحق بأهمَّ ما فيها.
وفي عام، ١٨٨٢ بينما التقارير مكدسة على مكتبه تحمل أنباء المصائب الكثيرة من هنا وهنا، قام بستور وسافر إلى جنيف وألقى على الزبدة المختارة من مجاهدي الأدواء في العالم خطبة رنَّانة موضوعها:(كيف نخلص الأحياء من خبيث الأدواء بحقنها بالمكروبات بعد إضعافها).
وفيها أكَّد لهم بستور:(أن المبادئ العامة قد وجدناها فلا يستطيع المرء أن ينكر أن المستقبل ملئ بآمال عظام. وصاح فيهم: (إننا جميعاً مدفوعون بعاطفة قوية نبيلة، هي حب الحق وحب التقدم بالإنسانية إلى خير مما هي فيه). ولكنه وا أسفاه لم يذكر في هذا الخطاب البديع شيئاً عن الشياه الكثيرة التي ذهب لقاحه بها وقد كان لحفظها وتحصينها.
وكان كوخ حاضراً في الاجتماع، وظل يَطرِف إلى بستور بعينه من وراء نظارته الذهبية ويبتسم في لحيته الكثَّة كلما سمع بستور يقصف بالجمل الرنَّانة، قد عَمِرت باللفظ البديع وأقفرت من العلم الصحيح. وكان بستور يخطب وهو يحس كأن سيفاً خفياً مُصلَتا فوق رأسه. ولما فرغ من خطابه تحدّى كوخَ أن يجادله على رؤوس الأشهاد علماً منه أن كوخ في صيد المكروب خير منه في الحِجاج. فقام كوخ فقال:(سأقنع نفسي بالرد كتابةً على السيد بستور، وسيكون هذا قريباً). وكحَّ، ثم جلس.