واقفة فلم تهرب كعادتها بل رفعت إليّ بصرها ثم دخلت حجرتها في هدوء ورزانة. لا أكتمك يا أخي أني شعرت بميل نحو تلك الفتاة كان أول أمره معتدلا عاديا. فقد أعجبني منها رشاقة جسمها واتزان حركاتها وتناسق أعضائها وغضارة بشرتها وجمال محياها وكانت عيناها الدعجاوان ترسلان من أشعتهما حرارة الشباب فتهز قلبي وتفتح جوانب نفسي حتى لقد صرت أجد في النظر إليها متعة وهناء أشبه بهناء النفس في حلم هادئ جميل. غير أن ما جذبني إليها حقا هو تلك النظرات الحزينة الهادئة التي كانت تتخلل نظراتها اللامعة القوية وتلك البسمات الخفيفة الفاترة التي كانت لا تلبث أن يطفئها وجوم غريب وإطراق مؤثر. وازداد ميلي إليها إلى أن كنا صبيحة يوم فسمعت وأنا بين النوم واليقظة نحيبا متقطعا ولست ادري لم انصرف ذهني إليها لاول وهلة؟ فقفزت إلى النافذة فرايتها ووجهها بين كفيها باكية تئن أنيناً موجعا. وأنا أترك لك أن تقدر لنفسك مبلغ ما نالني من الحزن في تلك اللحظة الرهيبة ولقد كدت أن أصيح بها أن كفكفي دموعك يا فتاة لولا انها أفاقت سريعا من غشيتها ومسحت دموعها في هدوء ثم نظرت إلى الشمس المشرقة نظرة حزينة يهتز قلبي كلما ذكرتها ودخلت بعد ذلك إلى مخدعها. ومنذ ذلك اليوم عرفت طعم الألم حقا وكانت تتمثل لي صورتها فيكتنفني من الألم اللاذع ما يزق شغاف قلبي ويحرك مكامن وجدي ولا سيما وقد تكرر ذلك منها كثيراً في الصباح أحيانا وفي المساء أحيانا اخرى.
وأخيراً. . . وأخيراً حم القضاء ووجدت نفسي أسير تلك الفتاة الحزينة الباكية ولك ان تعجب مني ما شئت أنا الذي طالما سخرت من الحب وهزأت بالعاشقين، أنا الذي طالما وصفت لك الحب بانه حلم من أحلام الشباب الخادعة وسراب خلب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا، أو فورة دماء واضطراب مزاج لا أقل ولا أكثر، ولكن الإنسان ضعيف لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا.
ولماذا أحببتها؟ أهو جمالها الساحر قد ملك على نفسي أم هو حزنها العميق قد صادف عطفا وحناناً في قلبي؟ ولكن مالي أبحث عن سر حبها ومتى كان الحب أمرا يقبل التعليل ويخضع للتحليل! مالي لا أقول أني أحببتها لأنني أحببتها ولتضحك بعد مني ماشئت ولكن لم تضحك؟ أليس الحب تفاعلا نفسانيا أو مزيجا روحانيا يأتي بكل سهولة وبغير أدنى