الهين أو المعتدل، إنما هي حالة تقتضي السعي الأكيد، والتعاون الشديد، من جميع مصادر التوجيه النفسي. ولعل البيت والمدرسة يفوقان في هذا الشأن جميع مصادر التوجيه الأخرى في طول مدى التأثير وعمقه، فالبيت والمدرسة يستطيعان أن ينشئا الجيل الذي لا يقتله الفشل فيرتد إلى الماضي يخدِّر فيه الشعور، ولا يستخفه النجاح، فيستعبده المستقبل ويستذله. ويكون ذلك بأن يتعاون البيت والمدرسة على تعويد الطفل بالتلقين والإيحاء تلقى مؤثرات الحياة برحابة في الصدر، وتوطين للنفس على خير الحياة وشرها على السواء.
ويساعد على تكوين هذه الحالة السليمة من التصور مثل التربية الاستقلالية التي يُرباها أبناء الأمم السكسونية، حيث يتخذ الألم معنى الواقع الذي لابدَّ منه، واللذة معنى الخير يجئ بالسعي، فلابدَّ من تذوُّقه واستمتاعه إلى أقصى حدود الاستمتاع.
ويجب كذلك أن يتعاون البيت والمدرسة تعاوناً حكيماً في الحد من أنانية الصغار الصارخة، وإفهامهم أن فرص النجاح مثل حقهم؛ فلا تمضي حياتهم آمالاً مخيَّبة، وآلاماً موصولة.
كذلك على المدرسة والبيت أن يعوِّدا الناشئ كيف يقف من حوادث الحياة موقف الحياد والاستقلال في التقدير، ومن نفسه موقف المحاسبة والتحليل الدقيق للأوضاع التي تسوقه إليها مجريات الحياة. بذلك يكتسب ثقة في النفس وتقديراً عادلاً للأوضاع، يربحانه من خصومة النفس وغربة الوضع وغرابة الإحساس. . . .
ومن واجب البيت والمدرسة - كذلك - أن يعتاد الصغار تقدير آلام الغير ويستيقنوا أن الناس يتألمون كما هم يتألمون، وأن ما نشاهده من ظاهر السعادة عندهم هو في أغلب الأحيان دون ما نقدِّر ونتوهم.
ومن أول واجبات البيت والمدرسة أن ينشئا الصغار على التفطن إلى جميع مظاهر الجمال وتذوقه في الطبيعة والحياة والفن، فأن في ذلك توسيعاً لمدى اللذة وتغليباً لأسباب السعادة على أسباب الشقاء.
وأخيراً يجب على البيت والمدرسة أن يفقهاأن عملية التربية ليست إعداد المرء للحياة كما تصر نظم التربية القديمة، إنما هي - كما يقول جون ديوي - فيلسوف النزعة الحديثة في التربية:(الحياة) بذاتها.