اغرورقت بالدمع مقلتاها ثم أشاحت بوجهها عني فألحفت وتوسلت فقالت:
اليك عني واتق الله في فتاة ضعيفة بريئة.
قلت لا أستطيع البعد عنك.
ثم انهمرت دموعي فصدقت وقالت وهي تنتفض من شدة الاضطراب:
حسبتك أحد أولئك الشبان الذين لا أخلاق لهم ولقد هممت أن أصرفك في قسوة.
ثم نظرت إلي طويلا دون ان تتكلم فقلت في صوت خافت متقطع: ستكونين لي منذ الآن.
فتجهمت قليلا ثم ابتسمت ابتسامة فهمت من معانيها الندم والحسرة والألم وهزت رأسها كأنها تريد ان تقول لي انك لا تدري من الأمر شيئا ثم قالت:
دعني بربك ولا تشغل نفسك منذ اليوم بأمري فلن يجديك ذلك نفعا وستبدي لك الأيام صحة قولي وصدق نصحي.
وكأنها ارتاعت لوقع ذلك على قلبي فقالت وهي تبكي:
آه ليتني أستطيع!. ليتني أستطيع!. اتركني أشكرك على. . . وغلبها الحزن والبكاء فأجهشت كما يجهش الطفل. فتظرفت إليها ولاطفتها ثم تناولت يدها فلم تمانع ولما أردت ان اجذبها نحوي نهضت قائمة وسارت لا تلوي على شيء ولم تلتفت وراءها وغابت عن بصري في منعطف، فبقيت في مكاني جامدا كالصخر ثائرا مضطربا ثم مرت علي دقائق افتقدت فيها نفسي وحسي.
ومرت أيام وأنا أتجنب النظر إليها ما استطعت، أيام كنت أثنائها كالذي يتخبطه الشيطان من المس ولقد بلغ من نفسي أنني كنت أرى الأسرة كلها حزينة كأنما هم مقبلون على أمر خطير. ولما ضاقت بي الدنيا كتبت إليها اطلب عفوها وأبثها لواعج نفسي. وفي صبيحة يوم جلسن جميعا يبكين حول أمهن وأنا حائر مشدوه لا ادري من أمرهن شيء فناديت البدال فأقبل وهو فتى طيب القلب فقلت له: أتدري يا فتى سر هذا الحزن؟ وأشرت إليهن دون أن يرينني.
قال أو ما تعلم؟
قلت كلا.
قال ان صاحب المنزل قد (أوقع الحجز) عليهن أعقبه بائع الخبز بحجز مثله وفاء لما